الثورة – جهاد اصطيف:
تعد منطقة الأتارب، الواقعة في ريف حلب الغربي، من أبرز المناطق السورية الغنية بالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية التي تشكل شاهداً حياً على تعاقب الحضارات والديانات على أرضها عبر آلاف السنين، هذه المواقع ليست مجرد حجارة صامتة أو بقايا عمرانية قديمة، بل هي سجل مفتوح يحكي قصص الإنسان منذ العصور الكلاسيكية، والهلنستية، والرومانية، وصولاً إلى الحضارة الإسلامية.
في هذا السياق، التقى نائب مسؤول منطقة الأتارب محمد زين الدين، مع معاون مدير مديرية الآثار والمتاحف في حلب طه عبد الغني، ومسؤول شعبة آثار ريف حلب زكية عبد الحي، ومسؤول التنقيب في المديرية إبراهيم سليمان، في لقاء نوعي هدفه تعزيز الجهود الرامية إلى حماية هذه المواقع وصونها من الأخطار التي تهددها.
التراث كهوية وانتماء
وأكد زين الدين خلال اللقاء، أن الأتارب ليست مجرد بلدة صغيرة في ريف حلب، بل هي خزان حضاري يختزن بين جنباته معالم تاريخية تعكس أصالة الشعب السوري وإبداعه عبر العصور، مضيفاً: إن الحفاظ على هذه المعالم لا يعني فقط صيانة الأحجار أو إعادة ترميم الأبنية، بل يعني حماية الهوية الوطنية والثقافية للمجتمع، وصون الذاكرة الجمعية التي تشكل عنصراً أساسياً في بناء الانتماء والوعي الحضاري.
وشدد على أن مديرية الآثار مطالبة اليوم بأداء دور أكثر فاعلية في المنطقة، من خلال توثيق المواقع وتسجيلها، ومنع التعديات التي قد تطالها، فضلاً عن تنظيم حملات توعية في المجتمع المحلي لتعريف الناس بأهمية التراث كجزء من حياتهم اليومية.
صفحات من التاريخ
وبين زين الدين أن الأتارب تحتضن عدداً من المواقع الأثرية التي تعود إلى العصور الكلاسيكية والبيزنطية والإسلامية، من بينها بقايا كنائس وأديرة وأبراج دفاعية، إضافة إلى منشآت عمرانية وأسواق تقليدية تعكس روح المدينة القديمة، وتظهر هذه المعالم تنوعاً ثقافياً ودينياً يدل على التعايش والانفتاح الحضاري الذي ميز المنطقة عبر العصور، هذا التنوع، كما وصفه خبراء يعكس الدور الحيوي الذي لعبته الأتارب في الماضي كمركز للتجارة والعبادة والتواصل بين الشرق والغرب.وأضاف: على الرغم من هذه الجهود، تواجه المواقع الأثرية في الأتارب جملة من التحديات، أبرزها الإهمال الذي طال بعضها خلال السنوات الماضية، إضافة إلى عوامل الطبيعة والتوسع العمراني العشوائي الذي يهدد بطمس معالم تاريخية قيمة، كما تعاني بعض المواقع من غياب التوثيق الدقيق، ما يجعلها عرضة للنسيان وربما الاندثار، ويؤكد المجتمعون على ضرورة وضع خطة متكاملة لحماية التراث في المنطقة.
رافعة للتنمية
ولفت زين الدين إلى أن أهمية التراث لا تقتصر على قيمته التاريخية والثقافية، بل تمتد إلى كونه عنصراً أساسياً في التنمية المستدامة، فالاستثمار في ترميم المواقع الأثرية وفتحها أمام السياحة يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة، ويسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، ويعزز من صورة الأتارب كمركز حضاري وسياحي بارز في ريف حلب.
إن حماية التراث في منطقة الأتارب ليست مهمة سهلة، لكنها مسؤولية وطنية وأخلاقية لا يمكن التفريط بها، فهذه المواقع هي إرث إنساني يخص الأجيال المقبلة بقدر ما يخص الحاضر، وما اللقاء الذي جمع بين مسؤولي المديرية وممثلي المنطقة، إلا خطوة أولى في طريق طويل، يتطلب تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية، من أجل أن تبقى الأتارب منارة حضارية شاهدة على عظمة التاريخ السوري.
وبين التوثيق والترميم، وبين التوعية والمشاركة المجتمعية، تبقى الرسالة الأسمى هي أن التراث ليس ماضياً مضى، بل حاضر حيّ ومستقبل يجب أن يصان.