الثورة – إيمان زرزور:
تشهد مناطق الساحل خلال الأسابيع الأخيرة تحولات لافتة في بنيتها الأمنية والاجتماعية، بعد سنوات من الفوضى والانتهاكات التي خلّفها نظام الأسد البائد خلال الحرب في سوريا، وفي إطار الجهود التي تقودها الحكومة السورية لإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس مهنية وإنسانية، برزت مبادرة تشكيل وحدات من “الشرطة النسائية” لتكون خطوة متقدمة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية وإعادة الثقة بجهاز الأمن الوطني.
وشهدت مدينة اللاذقية ولأول مرة في تاريخها انطلاق دوريات شرطة سياحية نسائية تجوب الكورنيش والمواقع السياحية، لمتابعة راحة الزوار وضمان أمنهم، في خطوة رمزية تعبّر عن حضور المرأة السورية حتى في المجال الأمني والسياحي.
وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الأمان في المواقع العامة، وإظهار الوجه الحضاري للسياحة السورية، عبر وجود عناصر شرطية نسائية قريبة من الزوار، قادرة على التعامل الإنساني والمهني في آنٍ واحد.
وكان أكد مدير الشرطة السياحية في سوريا النقيب “مهند قرجوم” أن وجود عناصر الشرطة السياحية النسائية في الأماكن العامة وسابقاً في معرض دمشق الدولي بدورته الثانية والستين مثّل نقلة نوعية في أسلوب العمل الأمني، موضحاً أن دورهن لا يقتصر على التنظيم والحماية، بل يشمل الإرشاد والتوجيه والتعامل مع الحالات الإنسانية، ولا سيما حالات فقدان الأطفال أو تعرض الزوار لأي طارئ، وذلك بالتنسيق المباشر مع غرفة العمليات المركزية.
وتشير التجارب الحديثة إلى أن إشراك النساء في أجهزة إنفاذ القانون أصبح ضرورة مهنية واجتماعية في آنٍ واحد، وليس مجرد خطوة رمزية، فالمجتمع السوري بعد الحرب في سوريا يحتاج إلى مؤسسات أمنية أكثر حساسية وإنسانية، قادرة على التعامل مع النساء والفتيات اللاتي تعرضن لانتهاكات أو عنف أسري أو تحرش أو استغلال.
وفي مناطق الساحل، حيث ما تزال البنية الاجتماعية محافظة، يعكس ظهور المرأة الشرطية تحولاً في نظرة المجتمع للعدالة والقانون، ويؤكد قدرة الدولة الجديدة على كسر القوالب التقليدية في العمل الأمني.
ورغم فقدان السوريين الثقة بالأجهزة الأمنية خلال عهد نظام الأسد البائد بسبب الاعتقالات والانتهاكات المستمرة، إلا أن الحكومة الجديدة اليوم تعمل على إصلاح هذا الإرث من خلال ترسيخ مبدأ الشفافية والمساءلة، ويُعتبر وجود الشرطة النسائية دليلاً واضحاً على هذا التحول، إذ يعبّر عن إرادة سياسية جادّة في بناء جهاز شرطة مدني حديث يستند إلى احترام الإنسان لا إلى إخضاعه.
يمثل انخراط النساء في السلك الشرطي تطوراً ثقافياً في الساحل السوري، إذ باتت المرأة الشرطية تُعامل كعنصر أساسي في منظومة العدالة، لا كاستثناء، وبدأت المرأة تُرى كضامن للأمن والكرامة في آن واحد، في مشهد يعكس النضج الاجتماعي وتبدل المفاهيم التي خلفتها الحرب الطويلة.
وبالتأكيد فإن تجربة الشرطة النسائية في الساحل السوري تعبّر عن تحوّل عميق في بنية الدولة والمجتمع، فهي خطوة في مسار طويل نحو العدالة والمواطنة المتساوية، ووجود المرأة في قلب المؤسسة الأمنية يعبّر عن رؤية جديدة لسوريا، قائمة على الأمن الإنساني لا الأمن السلطوي، وعلى الشراكة لا الإقصاء، ومع استمرار هذا المسار، تصبح الشرطة النسائية عنواناً للثقة المجتمعية ورمزاً لدولة القانون التي تُبنى اليوم على أنقاض نظام الأسد البائد.