الثورة – سعاد زاهر:
في عام 2016 قدّمت المخرجة جودي فوستر فيلم “وحش المال” “Money Monster”، وهو عمل درامي تشويقي يندرج ضمن سينما النقد الاجتماعي والاقتصادي، الفيلم الذي جمع بين جورج كلوني، وجوليا روبرتس، وجاك أوكونيل، لا يكتفي بأن يكون مجرد قصة احتجاز رهائن داخل استوديو تلفزيوني، بل يذهب إلى ما هو أبعد، تفكيك العلاقة بين الإعلام والمال، وبين الجمهور المخدوع والأسواق المتوحشة التي تتحكم بمصائر الناس.

يروي الفيلم قصة لي غيتس “جورج كلوني”، المذيع الاستعراضي لبرنامج مالي بعنوان “Money Monster” الذي اعتاد تقديم نصائح استثمارية بأسلوب استعراضي هزلي. وشخصية لي غيتس ليست مجرد مذيع مالي، بل صورة لإنسان ما بعد الحداثة وقد تحوّل إلى مهرّج يبيع الوهم في قوالب ترفيهية، كل حركة على الشاشة، كل كلمة ساخرة، ليست بريئة: إنها تعبير عن ثقافة تخلط الجد بالهزل. هنا يُذكّرنا الفيلم بفكرة غي ديبور، لا يعيش الناس حقائقهم، بل يعيشون صوراً مُعلّبة عن تلك الحقائق، التلفزيون لا يخبرنا عن الاقتصاد، بل يصنع عرضاً عنه، عرضاً يبتلع الإنسان ذاته. أثناء بث مباشر، يقتحم الشاب كايل بودويل “جاك أوكونيل” الاستوديو مسلحاً، ويجبر غيتس على ارتداء سترة ناسفة، مطالباً بإجابات عن خسارة أمواله بعدما اتبع نصائح البرنامج، تصبح باتي فن “جوليا روبرتس”، المنتجة الذكية، العقل الهادئ خلف الكواليس التي تحاول إدارة الأزمة، ما يبدأ كاحتجاز رهائن يتحول إلى رحلة كشف فساد الشركات والتلاعب بالسوق.

الفيلم يعرض التلفزيون كأداة لا تنقل الحقيقة بقدر ما تُسهم في تسويق الوهم، غيتس، بشخصيته المستعرضة، ليس سوى مرآة لثقافة إعلامية سطحية تحوّل المال إلى عرض ترفيهي، بينما الجمهور العادي يتحمّل الخسائر. وشخصية كايل تمثل صوت المواطن الغاضب، البسيط، الذي لم يعد يثق بالأنظمة الاقتصادية ولا بالمؤسسات الإعلامية التي تُجمّلها. بذلك، يتحول الفيلم إلى تعليق على انعدام العدالة الاقتصادية في زمن العولمة، حيث يُكافأ كبار المستثمرين على المخاطر، فيما يُترك الأفراد الضعفاء ينهارون دون حماية.
يؤدي الشخصيات الرئيسة جورج كلوني في شخصية المذيع المتغطرس، الذي يتكشف تدريجياً عن إنسان هش يواجه مسؤولية أخلاقية، وجوليا روبرتس التي أضفت توازناً إنسانياً وعقلياً على الحبكة، فكانت شخصية باتي رمز العقلانية وسط الفوضى، جاك أوكونيل قدم دوراً قوياً، منح شخصية كايل عمقاً إنسانياً يجمع بين الغضب واليأس، مما جعل المشاهد يتعاطف معه رغم سلوكه العنيف.مخرجة الفيلم جودي فوستر، أدارت الفيلم بإيقاع متوتر وحابس للأنفاس، مستفيدة من الفضاء المغلق للأستوديو كي تخلق حالة من الضغط النفسي المستمر، ومع تصاعد الأحداث، يتحول البث المباشر إلى محاكمة علنية للرأسمالية المتوحشة، حيث يشاهد العالم بأسره المواجهة بين الإعلامي والمواطن الغاضب.
الفيلم لم يأتِ في فراغ. فقد عُرض في فترة ما بعد الأزمة المالية العالمية 2008، حين اهتزت ثقة الناس بالمؤسسات المالية. وهو يلمّح إلى أن الإعلام لم يكن مجرد ناقل بل شريك في تضليل الرأي العام. بذلك، يُعيد Money Monster طرح سؤال جوهري، من يحاسب الشركات العملاقة إذا كان الإعلام مجرد أداة في يدها؟ يستحق الفيلم أن يُقرأ ليس كفيلم إثارة فحسب، بل كصرخة احتجاج في وجه نظام اقتصادي غير عادل، إنه فيلم يُجسّد مأزق المواطن العادي العالق بين أسواق مالية متقلبة وإعلام متواطئ، ويحوّل شاشة التلفزيون إلى محكمة أخلاقية، بقدر ما هو ممتع ومشوق، بقدر ما يترك فينا شعوراً بالقلق إزاء المستقبل، إذ تتحول “الصدف” المالية إلى كوارث إنسانية.