الثورة – همسة زغيب:
يختار الفنان التشكيلي مجدي صقر أن يصغي إلى الصمت، ويمنحه وجوهاً تنطق بما لا يُقال، إيماناً أن الفن لغة جميلة، وما تبوح به الروح حين تعجز الكلمات، فكانت الريشة امتداداً لوجدانه، والورقة مرآةً لانكسارات الإنسان الداخلية.
ولفت لـ”الثورة” إلى أنه بدأ رحلته مع الرسم في عمرٍ مبكر، متكئاً على الملاحظة والتجريب، ومندفعاً نحو البحث عن الصدق في التفاصيل، لم تكن التقنية هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتجسيد ما لا يُرى في العمق النفسي على الوجوه، وتلك اللحظات التي تذوب فيها الروح من دون أن تختفي الملامح، وهو يتبع المدرسة الواقعية الحديثة، لكنه لا يكتفي بها، بل يمزجها بلمسات فلسفية تعبّر عن البعد الإنساني، لتمنح أعماله طابعاً تأملياً يتجاوز الشكل نحو الجوهر.
تحدث الفنان صقر عن لوحته الحديثة بعنوان “بقايا رجل”، مشيراً إلى أنها ليست مجرد صورة لرجل منهك، بل تجسيد لفكرة الانهيار الداخلي الذي يعيشه الإنسان في صمته، إذ تتصارع الملامح مع الفراغ، وتذوب الروح في تفاصيل الوجه، ليبقى الضوء الوحيد الذي يعبر عن الألم البصري النابض بالحياة، تقول اللوحة ما لا يُقال، وتدعونا إلى تأمل ما تبقى من الإنسان حين يفقد صوته، لكنها لا تغرق في الحزن، بل تمنحنا فرصة لرؤية الجمال في الهشاشة، والصدق في الانكسار.مجدي صقر الذي يشارك في معرض “معاً نبني الوطن” المُقام في المركز الثقافي العربي “أبو رمانة” والمستمر ليوم غد الخميس، يعرض مجموعة من أعماله حول الوجوه الإنسانية، وخاصة كبار السن والنساء، في محاولة لتوثيق لحظات الصمت والكرامة والحنين.. يصف فلسفته الفنية قائلاً: “لا أرسم الوجوه، وإنما أستدعي أرواحها”، ويعتبر أنّ كل خط بالقلم محاولة لفهم ما لا يُقال، وما لا يُرى، “لا أبحث عن الجمال، بل عن الصدق، حتى لو كان مؤلماً”.وقال: إنّ لوحة “بقايا رجل” لا تتحدث عن رجل منهك فقط، بل عن كل إنسان يشعر أن صوته لم يعد يُسمع، وأن ملامحه بدأت تذوب في صمتٍ طويل، “بعد أن حاولت أن أجعل الصمت مرئياً، وأن أترك للفراغ مساحة ليقول شيئاً”، ويؤكد أن الإبداع بالنسبة له لا يكمن في إتقان التقنية فقط، بل في تحويل الألم إلى ضوءٍ يمكن رؤيته، كما تتجلى الفلسفة في أعماله، ولا تكتفي بجمال الشكل، بل تسعى إلى إيقاظ شعور دفين، أو طرح سؤال وجودي، أو استدعاء لحظة إنسانية منسية.