باستثناء المواقف الإيجابية المتوقعة التي عبّر عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجهة استمرار دعم الحكومة السورية في محاربة الإرهاب والمساعدة في التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة يسهّل عودة اللاجئين ويمهّد الطريق أمام إعادة إعمار ما دمرته الحرب، فإن قمة اسطنبول التي عقدت بمبادرة من النظام التركي لم تخرج عن السياق المتوقع لها، إذ كرّر كل طرف في المؤتمر الصحفي المشترك مواقفه المعروفة مقدماً حساباته وهواجسه الخاصة على كل ما عداها من مسائل أخرى.
الصياغة اللفظية المتقنة لبيان القمة والتي عادة ما تسبق اجتماع القادة، لا تعفيه من الإغفال المتعمد للدور الخبيث الذي تضطلع به بعض أطراف «الرباعية» في الحرب على سورية كتركيا وفرنسا وألمانيا إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا الغائبيتن الحاضرتين فيها، حيث تحتفظ كل منها بوجود عسكري غير شرعي في سورية يتناقض كلياً مع دعوة البيان للتمسك بسيادة واستقلال ووحدة أراضي سورية واحترام ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن، وقد خلا البيان من أي التزام بإنهاء الوجود الأجنبي غير الشرعي الذي يبتكر الذرائع المختلفة لبقاء أطول.
ثم إن الدعوة لوقف دائم لإطلاق النار في محافظة إدلب مع مواصلة المعركة ضد الارهاب تحمل تناقضاً مريعاً لا يمكن تفسيره، فالنظام التركي يتلكأ بتنفيذ التزاماته حيال اتفاق سوتشي، لجهة إخلاء هذه المحافظة من التنظيمات الارهابية المتطرفة التي ترفض الخروج منها وتواصل نشاطها الإرهابي بنفس الوتيرة المعتادة بدعم من واشنطن، ما يطرح تساؤلات جدية حول البدائل المطروحة لحل هذه العقدة، في ظل تمسك الدولة السورية بحق سيادي يكفل لها تحرير كامل أراضيها من قبضة الإرهابيين.
لا شك أن استمرار المراوغة التركية والغربية في مسألة الوجود الإرهابي في إدلب بحجة وجود المدنيين، وتضخيم التداعيات المحتملة لأي عمل عسكري على حياتهم، وعدم التطرق لمستقبل الوجود الأجنبي الاحتلالي الذي يربط نفسه بالحل السياسي الذي هو بالأساس شأن سوري خاص، من شأنه أن ينسف «الاستقرار والسلام» وأن يطيل في عمر الأزمة ويؤجل الكثير من الاستحقاقات السورية الضرورية والملحة، وهذا بحد ذاته يفشل مسارات آستنة وسوتشي وجنيف ويعيد الأمور إلى نقطة الصفر.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 29-10-2018
رقم العدد : 16822