في الطريق نحو عاصمة اليونان كان كل من يلتقيني يبادرني بالسؤال عن حال سورية ووضعها الراهن في حربها على الإرهاب، وكيف يعيش الناس في مختلف المناطق، وما طبيعة العلاقات المستجدة بين السوريين، وأخيراً ما المستقبل الذي ينتظر السوريين بعد أكثر من سبع سنوات كانوا وحدهم يحاربون الإرهاب بالنيابة عن العالم المتحضر؟
يستقبلك موظف الجوازات في مطار أثينا بوجه بشوش لمجرد أن أمسك بجواز السفر السوري مطلقاً صوته مجلجلاً( آاااسد)، ويرحب بك متعجلاً إعطاءك جواز سفرك ومرافقاً لك بابتسامة تلاحقك دون انقطاع.
تدور في خلدك عشرات الصور وتستعيد مئات الحالات وتستذكر آلاف المواقف والحوادث التي عشتها كمواطن سوري على مدى سنوات العدوان على سورية، ويحزنك السكوت العالمي عما كان يحصل في بلدك، وكيف تم إخماد صوت الضمير، وكيف كان يتم تسويق الروايات الكاذبة، وكيف كانت شعوب العالم تخضع لصوت الكذب والافتراء والدجل دون وجود أدنى حد من المحاكمة المنطقية التي تحاول وضع الأمور في نصابها وقياس الأفعال بمعايير ومقاييس علمية والوقوف على الحقيقة من أصحابها ومن موقعها.
يعتصرك ألم فيه نكهة النشوة والعزة الجريحة، فالوصول إلى حالة الانتصار السياسي والإعلامي تطلب تضحيات كبيرة وثمناً باهضاً من الأرواح الطاهرة والأنفس الزكية قدمت على مذبح الوطن وحريته وكرامته وتدرك حين تطأ قدماك أرض القارة العجوز أنك سليل قوم قدموا للعالم قسطاً وافراً من القيم الحضارية والإنسانية العليا، وأنك الْيَوْمَ مستمر في تقديم الحضارة ذاتها. تنسى بعد دخول بلاد الإغريق مصاعب الحصول على تأشيرة الدخول لمجموعة الاتحاد الأوروبي عندما تسمع أول شكوى من محدثك يقول إنه يختلف عن شعوب ومجتمعات أوروبا الغربية، وإن انضمام بلده للاتحاد كان وبالاً وغلاءً لا يحتمل، وإن شعوره بالانتماء إلى الشرق أقوى، وإن سورية أخيراً تظل النموذج القادر على الصبر ومواجهة العدوان بقوة الحق والصبر والانتماء، وتلك عوامل لا تتجمع إلا في الأمم العظيمة.
أثينا- اليونان
مصطفى المقداد
التاريخ: الأثنين 5-11-2018
رقم العدد : 16828
السابق
التالي