استضافت باريس بالأمس الاحتفال بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى بمراسم معتادة أقل ما يقال فيها انها نمطية واستعراضية ولا تعكس عند العديد من المشاركين في الاحتفال وخاصة الرئيس الفرنسي وضيفه الأميركي، الرغبة في تجنب تكرار هذا الحدث الكارثي الرهيب الذي أدى لسقوط ملايين الضحايا حول العالم، مع إصرار بلديهما على التدخل العسكري في مناطق عديدة من العالم وتقديم السلاح للإرهابيين والدول المعتدية خلافا للقانون والشرعية الدولية كما هو الحال في سورية واليمن وفلسطين ومناطق أخرى.
من المثير للسخرية أن هذه الحرب وصفت وقت حدوثها بالحرب التي ستنهي كل الحروب المشتعلة، ولكن الدول المنتصرة التي شاركت في توقيع «اتفاقية باريس للسلام» عام 1919 وبسبب تعنتها في فرض رؤيتها وشروطها على الدول الأخرى، ساهمت بعد عقدين من الزمن بإشعال حرب عالمية أوسع أزهقت من الأرواح أضعاف ما أزهقته الحرب الأولى، فيما كانت تداعيات تقاسم المكاسب ومناطق النفوذ والسيطرة والصراعات الأيديولوجية الناجمة عنها أشد هولاً وكارثية بحيث مهدت لإشعال عشرات الحروب الإقليمية الأصغر، نجم عنها سقوط ضحايا مدنيين أضعاف ما سقط في الحربين مجتمعتين.
ليس سراً أن هذه الاحتفاليات البرتوكولية ليست مهمتها البحث في الأسباب الحقيقية لاندلاع الحروب من أجل معالجتها، بل هي مناسبة عند البعض لإنشاء تفاهمات أو تحالفات جديدة وعقد صفقات على حساب الدول والشعوب المناهضة لأطماع الدول الكبرى وأجنداتها الاستعمارية، فرغم تكرار الاحتفالات المشابهة إلا أن الكثير من بؤر التأزم والصراع بقيت دون مبادرات حقيقية وعادلة من أجل الحل، كما هو حال القضية الفلسطينية التي تعود بداياتها لوعد استعماري بريطاني ظالم أعطي للصهاينة خلال الحرب الأولى، وما زالت الوعود تغدق على الجلاد.
اللافت في حدث الأمس هو انعقاد «منتدى باريس للسلام» الذي يبحث جملة من القضايا الدولية، ولا يستبعد أن يكون نتنياهو وترامب وماكرون وأردوغان من ضمن المتحدثين المطالبين «بالسلام»، وقد ألفنا باريس تعير منابرها لبعض الذئاب كي يظهروا «حمائم للسلام» فيما دماء الضحايا تقطر من بين مخالبهم وأنيابهم..؟!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 12-11-2018
رقم العدد : 16834