إن الاستخدام السليم والصحيح للذاكرة هو الذي يخدم القضايا العادلة، ليس ذلك الذي يكتفي بتصوير الماضي»..
ويعيد الناقد الفرنسي البلغاري الأصل تزفيتان تيودوروف التذكير بالكثير من أهم أحداث القرن العشرين في كتابه (الأمل والذاكرة) مستخلصاً نوعاً من التوظيف المفيد لما يجب أن يكون عليه التعامل مع «الذاكرة»، متسائلاً لدى مراقبتنا لأساليب سوء استخدام الذاكرة:
أليس النسيان أفضل من التذكّر..؟
متى يكون النسيان مفضّلاً على الذاكرة..؟
لعله يكون كذلك حين تفيض شرور الذاكرة بما تختزنه من براكين أحداث جرت بين أبناء الأرض الواحدة..
يسرد قصة يرويها أمريكو فيسبوسي، مكتشف القارة الأمريكية، الذي بعد عرضه اللقاءات التي تمت بين الأوروبيين مع سكان البلد الأصليين، ينقل لنا أنه غالباً ما تنشأ صراعات بين مجموعات مختلفة من سكان البلد الأصليين.. ويقدّم أمريكو التفسير: «إنهم لا يقاتلون من أجل النزاع على السلطة، ولا من أجل ضم أراضٍ جديدة إلى أراضيهم، ولا يدفعهم أي حسد لا عقلاني، ولكنهم يتقاتلون بسبب ضغائن قديمة نشأت بينهم منذ الأزل».. ويضيف تزفيتان، فيما لو كان فيسبوسي محقّاً، أنه يجدر بهذه الشعوب أن تنسى ضغائنها لتعيش بسلام..
إذا «يجب الاحتراس من الوقوع في (فخ واجب إحياء الذاكرة) حسب قول بول ريكور».
وثمة فرقٌ بين شرور ذاكرة فردية وأخرى جمعية..
كيف تنشأ تلك الفردية منها..؟
في مؤلَّفٍ آخر يرى تزفيتان أن الشرّ «يتأتّى من أنّ كلّ شخص يحتاج الآخرين ولكنّ هؤلاء لا يعطونه طوعاً ما يرغب فيه. إنّ هذه المركزيّة الذّاتيّة تكون خطيرة بشكل خاصّ عندما تصبح جماعيّة».. وبالتالي انتكاسات الذاكرة حينها تكون أخطر.
وصفة تزفيتان لمقاومة هذا النوع من التذكّر المر واللاذع الطعم، يتأتّى من خلال المعرفة..
ولنا أن نتخيل أن مقاومة الشر جماعياً، وشرور الذاكرة الجمعية كذلك لا بد يكون في أولى خطواته عن طريق المعرفة.. نشر الثقافة.. وتلاوين العلوم بشتى أصنافها.. لاسيما العلوم الإنسانية..
لكن المشكلة تكمن في حظر المعرفة وجعلها في طي النسيان.. بدلاً من نسيان وطمر شرور الذاكرة.
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 29-11-2018
الرقم: 16848