في محاولة حكومية جادة لإزالة اللبس والغموض وتلافي الثغرات وأحياناً التعارض بين قانون وآخر والإبهام، جاء التحرك الذي مازال ساري المفعول حتى تاريخه لجهة الاجتماعات والمناقشات والملاحظات التي تسطرها الجهات العامة كل حسب اختصاصه باتجاه توحيد المنظومة التشريعية العامة وإخراجها بصيغة كاملة ومتكاملة وبقالب جامع (متخصص لا عائم) تنتهي معها وإلى غير رجعة عمليات التأويل والتفسير القائمة على الأخذ والرد دون أي طائل، واختصار القوانين وتجميع التعديلات التي تطرأ عليها وفق منهجية عمل واضحة ومرجعية واحدة ومحددة.
الفكرة من حيث الشكل والمضمون مهمة جداً، لكن الأهم هو الإجماع الذي سيخلص إليه أهل الخبرة والاختصاص خلال تحركهم التمهيدي والنهائي باتجاه تطوير منظومة التشريع الذي يجب أن يكون قائماً أولاً وأخيراً على الإصلاح التشريعي وعصرنته بالشكل الذي يتلاءم ويتوافق إلى حد التطابق مع متطلبات المرحلة الحالية (مرحلة ما بعد الحرب) والمستقبلية لإعادة الإعمار والبناء، وهذا كله يحتاج وفي المقام الأول إلى بصمات من كان بها خبيراً لوضع دليل استرشادي يكون بمثابة الخطوة الأولى باتجاه صياغة التشريعات وفق معايير محددة وإحداث وحدات تنظيمية تعنى بتطوير الخبرات في مجال إعداد وصياغة التشريعات من النواحي القانونية والإجرائية والفنية وإحداث بنك يحتوي قاعدة بيانات لجميع التشريعات وتقييمها بعد تطبيقها وإحداث لجان لمراقبة تطبيق القوانين وتحديد هوية واضحة لها، وصولاً إلى النص التشريعي المرن القابل للتطبيق الفوري وأيضاً للتحديث والتطوير والتعديل الذي تفرضه طبيعية المتغيرات الجديدة التي قد تطرأ على هذا القطاع أو ذاك، وتقييم أثرها ومفاعيلها في كل المجالات دون استثناء، باعتبار أن التشريع بحد ذاته صناعة لا صياغة فقط.
وبمناسبة الحديث عن توحيد المنظومة التشريعية على مستوى الوزارات والعمل الحكومي بشكل عام، لا بد من التأكيد والتذكير في آن معاً على ضرورة (وهذا مهم جداً) عدم إصدار أي نص تشريع ما لم يكن مرفقاً بأسبابه الموجبة، ومنح مدد زمنية مقبولة بعيداً كل البعد عن التسرع وعن البطء والمماطلة للخروج بتشريعات (دسمة) تخدم الوطن والمواطن على المدى الاستراتيجي الطويل، وتنتهي معها مرحلة ما بعد التعديل إلا التعديل.
عامر ياغي
التاريخ: الأثنين 3-12-2018
رقم العدد : 16851
السابق
التالي