غريبة جداً.. وهي تطوف في قارب وحيدة ضمن بحيرة, عيناها تختصران سرباً من الاحزان..
إنه خلفية لمشهد افتتاحي في فيلم (خريف نيويورك).. للوهلة الاولى تعتقد انه لايمت للأحداث بصلة, مشهد يشبه مايحاول ميلان كونديرا قوله في راويته «الحياة في مكان آخر»..
بينما نعتقد أن مشهد انفصال «ريتشارد غير» البارد عن حبيبته هو محور الفيلم, تنقلنا تلك الفتاة الغامضة بنظراتها الى سياق مختلف كلي لكل مايمكن أن نتوقعه, لايمكن لتلك الفتاة إلا أن تعلق في ذهنه, ولكنها تتوهج وهي تحتفل بعيد ميلادها الثاني والعشرين.
رتشارد غير الذي كان قادما ليعلن لصديقته انفصالهما كان يمشي بلباسه الاسود وكانه سيتحرر للتو من كل مايعيق حياته, لنكتشف أن مايفعله هو أسلوب اعتمده في حياته اللاهية.. حين يريد أن ينقله الى حبيبته الجديدة شارلوت «وينونا رايدر» تعلن له سريعا انه بالفعل لامستقبل لعلاقتهما لأنها ستموت بسبب مرض لاشفاء منه..
كلما تقدمت مشاهد الفيلم, تتالى فصول رواية ميلان كونديرا, انت لاتقارن وحدها الاحداث تتعارض, وتتكاثف في ذهنك, لتتخاطفك هشاشة الحياة وتغيراتها موقنا إن «اجمل ما في الاحلام هو اللقاء اللامتوقع بين اشخاص وأشياء يمنع التقاؤها في الحياة المألوفة»..!
تقول له.. على فراش الموت.. وهو يهمس في أذنيها كلمات شعر رددته بينما كان يسخر سابقا..
ماذا فعلت لك..؟
يجيبها لقد دمرتيني.. للنساء الأخريات!!
بل حافظت عليك لهم..!
سرعان مايغادر محاولاً انقاذها..!
وانت تتابع الفيلم ربما للمرة المئة.. لاتشعر بتباطؤ الاحداث, وعبرها تعيد اكتشاف ذاتك, وتصيغ الاحداث من وجهة نظرك.. إنها متعة الافلام الخالدة.. وأنت في عز خساراتك, تذهب اليها وتترك لدموعك ان تنهمر هي الاخرى للمرة الألف.. لاتحتسب الوقت, وكيف توقف الشريط لتعيد مشاهده, انت تظهر, وتتحول كما فعل بطل الفيلم ويل كين..!
مابين مشهدين.. تفاصيل الانفصال السريع لبطل الفيلم في البداية, وموت البطلة الصاعق في النهاية..!
يتذوق بطل الفيلم خسارة لم يتوقعها, هي لحظة فاصلة, تحيل حياته بعدها الى منحى آخر.. يحاول بعدها التعايش مع الحياة معتقدا أنه يتذوق طعمها من جديد, ولكن تلك الخسارة اخترقته كسهم تموضع في منتصف القلب تماما, لايترك له غالبا الا حركة محدودة..!
رؤيـــــــة
سعاد زاهر
soadzz@yahoo.com
التاريخ: الاثنين 10-12-2018
الرقم: 16856