منذ ما يزيد على ثلاثة مليارات سنة والمتعضيات الدقيقة (جراثيم , فيروسات , بريونات ..) تتعايش فيما بينها .
ومنذ ثلاثة قرون تأسر خيال العلماء وفكرهم , وأصبحت الأبحاث في البيولوجيا تتسارع على مقربة من العالم الصغري وتعد بالنفاذ عبر عتامة المادة ,وفي الوقت الذي أصبح الإنسان يتخيل نفسه سيد الطبيعة ومالكها ,
ان لا بدّ لهذه الكائنات غير المرئية أن تريه وجودها ونفوذها كتاب جديد صادر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة للكتاب تحت عنوان :(للجراثيم حكاية في تفسير منطق الحياة ) للكاتب مصطفى قره جولي الذي يتناول من خلاله التداخلات المتينة والمصيرية مابين كائنات اليوم والمتعضيات التي سبقتها :نظرة إلى العالم الحي بعين ثالثة .. لا يوجد عنصر في الطبيعة منعزل عن الآخر لأن البيئة الأحيائية مجموع متماسك بنظام متوازن لعضوية كوكبية أرضية واحدة .
وبين الكاتب أن هذه الكائنات غير المرئية إنما تنتمي إلى عالم الأحياء قبل الإنسان وقبل أن يكون سيدا للطبيعة ومالكا للأرض , لذا هي جزء أساسي من ماضي الحياة ومن ماضيه أيضا على حد سواء وقد جاءت خلاياه على نسقها في البنية وفي الوظيفة .
وأوضح الكاتب أن الإنسان بمقياس زمن الحياة على الأرض حديث المولد , وربما وجدنا بعض الأجناس القليلة أكثر شبابا . لكن لا يوجد ما يشير إلى بلوغ أي منها مستوى تطوري لافت .
بالتالي لا نستطيع الرجوع إلى أصولنا أكثر من بضعة آلاف فقط من السنين دون أن يغيب عنا جوهر الإنسانية يوم كانت تتكلم أو تغني وهي تصنع أدوات الصيد وتتحلق حول النار في المغارة ..
وتوقف الكاتب عند العالم الصغري وأشار أنه بنظره أساس العالم الكبري , وما النبات والحيوان والإنسان إلا نتاج خلايا جمعية أشد تعقيدا , وفي خلايا الإنسان ما يشهد على وجود آثار من العالم الصغري في ذاكرات مواده العضوية ووظائفه الحيوية .
وأكد الكاتب من خلال تجربته العلمية أننا ما زلنا قاصرين وفي بداية الطريق إلى التطور لأننا ما زلنا نتعلم الأنسنة كأطفال غير ناضجين , ضعفاء , تلفهم الأخطاء , ويعيقهم التعثر , وما نخشاه بعد زوالنا هو ألا نترك حينها من آثارنا سوى طبقة رقيقة من المستحاثات المشبعة .. بالتالي علينا أن نتفكر بماضي الأحياء الأولى أسلافنا , لقد كان السلف الأول الذي ظهر منذ حوالي-3- مليار سنة على هيئة خلية بكتيرية منعزلة , وإننا نعتقد أن ما يدب فينا من حراك يرجع إلى نفحات الخالق في تلك الخلية قبلنا , وعلى الرغم من طلاقة جنسنا البشري , ومن تمتعنا بفحوص دماغية جبهية مميزة , وعلى الرغم من إبداعاتنا وموسيقانا الجميلة فإننا لم نتقدم أبعد من جنسنا ولم نستقل عن الكائنات من حولنا , هي معنا وإلى جوارنا وفي دواخلنا , وهي لا تشكل جزءاً من حياتنا بقدر ما نعتبر جزءاً من عالمها .
علاء الدين محمد
التاريخ: الخميس 3-1-2019
الرقم: 16875