كم بحثت عن عنوان مناسب يبعث الفرح والرضا، في نفوس قرائي الأحبة، في أول أسطر أهديهم إياها في العام الجديد، لأول مرة منذ سنوات ضاجعت الثمانية، أجد في كلماتي حبوراً أهديه لمن أحدثهم أو أكتب لهم، رشاقة أحرف وفرح يراقص الكلمات.
محوت عناوين وكتبت.. إلى أن أسعفني العنوان من مادة صديقة حميمة أكن لها ولكم المحبة والتقدير، هل نكون مفاتيح خير لبعضنا ولوطن كثر فيه التعب والعناء، مغاليق لشر عانينا منه جميعاً، طحنت فيه الأيام آمالاً، احتل فيه الغريب شقاء وتعب العمر.
لن أكتب عن فشل وانسحاب قوات أمريكا من أرضنا، ولا عن قسد وتسليمها عفرين للجيش العربي السوري، ولا عن ثواب رشد العرب، وإعادة فتح سفاراتهم بدمشق، ولا عن الإقرار بانتصار سورية ولا عن إعادة حسابات أردوغان والجوار بحقنا..
عام ليس كسابقيه، هل التفاؤل فيه يأتى لنا؛ من ألوان الانتصارات التي منحتنا الأمان وإن منقوصاً في بعض المدن، أم لأمل في اكتمال النصر ليكتمل الأمان.. أم لاستدارة العالم في ذيل عام مضى، إلى أحقيتنا في السيادة والحرية، وبدء رحلة الحج الدمشقية.
عامنا الذي بدأ منذ أيام، نستبشر منه الخير والسؤدد، اشتريناه بأغلى الأثمان لتأتينا ليلة قدومه بكمِّ الأمان الذي عاشه أبناء سورية، إلا جزءاً ما زال الحزن يلفه، نتحمل وخز الشوك فيه، على أمل أن يشحذ الملقط ردفيه ليلتقطها واحدة تلو الأخرى.
كل جرح التأم ما زال ندبه على جسدٍ؛ يخط في حياتنا عبارة لا تنسوا، كل طرف فقده جندي أو مواطن لم نستطع التقاطه لدفنه، ما زال جسده يصيخ سمعنا فلا تنسوا، لكل باب زيِّن بصور شهدائه، لكل دمعة أمٍّ؛ وصيحة رضيع لم يره والده نقول لن ننسى.
من عاد من أي مخيم هُجُِّر إليه قسراً، أو ما زال مشرداً تحت خيمة لا تحمي من غيث السماء، ولا تمنح الدفء لمن تحتها، مشهده يصرخ لا تنسوا، كل طفل ضاعت من فمه مفردات السلوك الحسن لتحل بدلها مفردات من وحي الحرب يقول بصمته لا تنسوا.
كيف ننسى أحلامنا المسروقة، ودواء الاكتئاب، ومهدئات الأعصاب المرهقة أمامنا، كيف لنا أن ننسى بيوتنا التي سرقت وهدمت، وأحرقت ولم يبق في العمر ما يسعفنا لنعمل ونجمع ما ضاع لنبدأ من جديد، كيف ننسى وعدّادُ الألم ما زال يزيد من أرقامه.
ألم وحزن وفقد، عذابات جارحة لحد الوريد؛ على مدى ما ينوف عن 2861 يوماً التهمها الإرهاب من عمرنا وأبنائنا وأحفادنا، غصباً بدعم الدولار النفطي العربي والإعلام الكاذب المضلل، قُتِلْنَا خلالها باسم الثورة والحرية المزيفة، كيف ننسى؟؟!
حاولوا تشويه سوريتنا لتشبه وجوههم المخيفة المقززة.. فشلوا وقضوا تحت الحذاء العسكري.. قهروا بجميل صمودنا وروعة تماسكنا.. تبعثرت أحلامهم الشقية في الهواء، المفعم برائحة قذائفهم التي أزكمت بزعافها أنوفهم، ورفضت سُمَّها أنوفنا..
الآن بدأت رحلة الحب والعطاء، أراني ومحبي هذه السيدة العظيمة، الملكة المتوجة أننا أكثر قوة وتفاؤلاً، بل يقيناً أننا الأُوَل في النهوض إلى العلياء، وإعادة بريق ألقها، الجميلة الناهضة بحقها في الحياة علماً وفناً، لكنها لن تنسى من آساها وأرعب أيامها.
كم من خير منحتنا سوريتنا الغالية، وما زالت رغم ما أثقل كاهلها من وجع وألم، هل يكون عامنا الذي أقبل علينا ونحن نرفل بانتصارات كثيرة، يحمل في ثناياه وأوراق تقويمه مزيداً من النصر نكحل به أعيناً باتت تحت التراب حباً فيه وحرصاً عليه..
هل نكون له مفاتيح خير مغاليق شر.. بعد من دنسه ممن كانوا مفاتيح شر مغاليق خير.. زرعوا أرضه بالدمار، وبيوته بِمُرِّ الفقد، وأكثروا فيه اليتم.. لتكون قادمات الأيام بداية جديدة لتفكير جديد يجعلنا أكثر حباً لبعضنا البعض وأكثر عشقاً لتربه..
هل نذهب معاً لإعادة بنائه على الصعد كافة.. هل نتعرف حقاً على من وقف معنا فنقرأ معدنه الطيب.. هل ننشد الحب الذي وهبنا إياه الله تعالى.. فنكون أكثر تفاؤلاً وجمالاً غصباً عنهم.. هل نقف إلى جانب من تَعِبَ معنا خلال سنوات وضحى وفقد.
هل نستذكر من أساء؟؟ هل من فائدة أو رجاء ممن عادانا يوماً.. لا فائدة ممن ليس منهم فائدة وقت الشدة.. التي توزرنا إزارها سنين أسىً.. ماذا يمكن أن يكون ممن حملوا جوازات سفرهم في جيوبهم، حتى لو كان الوطن في حقائبهم أو تحت جلدهم.
سيكون عامنا جميلاً بجمال خوفنا على وطننا، رائعاً بروعة نصر حماة دياره كبيراً كقامة قائده.. ستبقى أرواح أبنائه الطاهرة أغلى ثمن دفع لأجل حريته، ستبقى أقلام أحراره سيوف الحق المنافحة عنه، كيف لنا ألا نكون.. حماة مسقط رؤوسنا.. كل عام ووطننا سالم معافى، يعمه الخير.. ونحن مفاتيح خيره.. مغاليق شره..
إضاءات
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 3-1-2019
الرقم: 16875