انجلت الحقيقة، ولم يعد لأحد الحق في التشكيك أن ما حدث في سورية حرب كونية نتيجة مؤامرة محكمة، راهن واضعوها على انهيار الدولة السورية، تحت ما دعوه إسقاط النظام.. وها هي تعود رماحها لتستقر في صدور الأنظمة التي عملت ضدها.
انتصار دمشق برمزيتها كناية عن سورية بعظمتها، ألحقت هزيمة مدوية للحلفاء والمشروع الصهيوني، الذي غلف بسلفان أمريكي، دعي بمشروع الشرق الأوسط الجديد، رغم الهزيمة يتحرك جون بولتن الآن، مروجاً لورق لون فيه خريطة سورية.
جولة بولتون على ثماني دول، منها الخليجية والأردن ومصر، وزيارة مهمة للكيان الصهيوني، ليطرح بالألوان على ورقه الخريطة السورية مشروعه التقسيمي لها، فهل ليقنع أم ليشاور، وساعياً (لأطلسي) عربي ناتو يمرر من خلاله خططه الاستعمارية.
عن ماذا يبحث بولتون بعد أن أصبح العرب يخطبون ود سورية ساعين لأعتابها، أهو مغتاظ من ترامب الذي قرر سحب قواته من سورية.. فقدم مشروعه في جولة إقليمية، أم لإخراج ترامب من المأزق الداخلي الذي لا يحسد عليه أكثر من نتنياهو.
سبع من المليارات صرفت في الحرب على سورية، لَمْ تُجْدِ في تحقيق مآرب أعداء سورية، فأصبح التوجه للتجييش ضد إيران والإقناع بأنها العدو الحقيقي لأمريكا والخليج، وتخفيف عدائية تركيا للأكراد، جولة يراد بها خلق مخرج لائق للحلفاء..
وهنا يتبادر التساؤل هل يمكن لأردوغان القفز فوق مصالحه مع روسيا وإيران والذهاب مع خطط واشنطن، لينزل في البئر السوري، ألم يتعظ ممن سبق خشية قطع أمريكا الحبل به في منتصف البئر، المشهد مع الأكراد وتخليها عنهم ليس ببعيد.
أما المشهد الذي بدا فيه ترامب كالقط المتلصص حين زار قاعدة عين الأسد في الأنبار، دون علم الحكومة العراقية.. فهو يومئ لإحدى حالتين، إما أنه يعتبر القاعدة قطعة أمريكية، فلا يحتاج الإذن في دخولها وفي هذا انتقاص لسيادة العراق، أو أنه يخشى الإعلان لأنه يعلم أنه ضيف غير مرغوب فيه، ولا يمكن تأمين حمايته، زيارته كان يلوح باطنها أنها تصب في إعلان أنه ما زال موجوداً قرب قواته الموجودة في سورية، وإن كان المعلن أنه جاء مهنئاً في أعياد الميلاد ورأس السنة.
في الزيارة رسائل أخرى إحداها للأكراد أنه قريب منهم رغم تخليه عنهم، وكذا لطمأنة الفصائل الإرهابية أنه يدعمها رغم قتالها مع بعضها البعض، النصرة وجبهة التحرير، وأخرى لطمأنة الكيان الصهيوني، لكنها فاشلة ولم تحقق الهدف الذي نشد.
روسيا لن تساوم على سورية مهما كان الهامش المقدم مغرياً، خاصة بعد استعادة مكانتها العالمية كدولة عظمى، ولن تضعف دورها المتنامي في المنطقة، بعد وهن أشلاء المعارضة الخارجية، بتخلي السعودية عنهم، ومنعهم رفع ما دعي (علم الثورة).
ضمن خرائط بولتون مناطق نفوذ للأكراد في شرق سورية تغريهم بها، لتبقى الورقة المهماز التي تضغط بها على الأتراك، ما دعى أردوغان إلى عدم لقائه في تركيا رافضاً أي مشروع باتجاه الأكراد الذين يعتبرهم أعداءً لتركيا، ولا تعاطي معهم.
بولتون يحاول أن يتذاكى واضعاً ضمنها السماح لتركيا بدخول قواتها لشمال سورية، مع تجنب مناطق الأكراد، وعقد منتدى لهم، لكن برفض لقاء بولتون يبدو موقف أردوغان مبهماً، أهو تمرد على السياسة الأمريكية وتركيا ضمن الأطلسي.. أم هو الحرص على المصلحة التركية، بعدم خسارة المنافسين الصين وروسيا حيث المصالح الاقتصادية، السبيل الأساس الذي أوصل أردوغان للحكم، لذا يرجئ أردوغان البت بحملته العسكرية المزعومة إلى ما بعد لقائه بوتين.
على تركيا أن تغير سياساتها اللصوصية، إن في موضوع عفرين أو أي عمل عسكري شرق الفرات، فهو عدوان مرفوض، وسيواجه بتحدٍّ كبير من محور المقاومة والجيش العربي السوري، الذي عليها أخذه بالاعتبار.
أما الإدارة الأمريكية فعليها التعقل في سياساتها المتخبطة، ما بين رفض ترامب الدخول في أي حرب خارجية غير مدفوعة الثمن، وخريطة بولتون الملونة لسورية وتشكيل ما يدعى بحلف الناتو العربي ضد إيران، واحتوائها الميليشيات الكردية..
التساؤل المشروع بعد هذا هل يسمح محور المقاومة بخطة تقسيم أمريكية للمنطقة، والسؤال المقابل هل تسمح أزمات حلفاء واشنطن للعرب بتشكيل حلف ضد إيران.
هل يمكن لأمريكا توجيه بوصلة فشل مشروعها بطلب خروج إيران من سورية وهي تعلم تماماً أنه قرار سوري إيراني، إن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، أعفت مقابله أمريكا ثماني دول من عقوبة شرائها النفط الإيراني.. فلتتعقل يابولتون..
إضاءات
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 10-1-2019
رقم العدد : 16881