اعتقد أن الموظف العادي ليس لديه أي فرصة للفساد بمعناه المتعارف عليه… لأن ليس من صلاحياته توقيع عقد بالملايين ولا الإشراف على أي مناقصة أو حتى التعاقد مع خبير ولا حتى مدرب رياضي أجنبي.
كل ما يمكن أن يفسد فيه أشياء بسيطة مثل ماكينة التصوير التي يستغلها أحياناً لتصوير صفحات لغير العمل… أو أن يستخدم هاتف العمل في مكالمات على جوال لغير العمل أيضاً… إلخ من أمور يمكنه التصرف فيها… غير أنها تبقى محدودة التأثير اقتصادياً… إلا أنها مدمرة من حيث المبدأ.
هنا لا أدري إن كان يجوز لنا أن نطلق على من يسرق الملايين فاسداً أم لا… بحكم أنه قد يفعل الموظف العادي ما يفعله سارق الملايين لو كان مكانه… وأعتقد أنه لن يتورع عن ذلك… فمن المؤكد أن من يسرق ورقة تصوير سيسرق مليوناً… ومن يرضى بهدر المال العام يرضى بالسرقة ومن يحصل على تقرير طبي مزوَّر سيزوِّر تقريراً باستلام مشروع لم ينفَّذ أصلاً.
الفاسد فاسد… سواء كان يسرق الملايين… أم يسرق ورقة تصوير… أم يسرق وقت الدوام… والفرق بين هذا وذاك أن هذا وجد مالاً يسرقه… وذاك لم يجد مالاً فسرق ما يظنه أقل ضرراً.
وعليه هل وجود جهة ما لمكافحة الفساد يدل على حرصنا على مكافحته… أم أنه اعتراف بأن الفساد قد انتشر لدرجة يتوجب معها إنشاء هيئة لمحاولة إخفائه عن الأعين… وتنبيه بعض الفاسدين المكشوفين لكي يستروا أنفسهم… ولا سيما أننا نتحدث عن مكافحة الفساد ولم نرَ مكافحة للفساد.!!! ومعظم من شاع تورطهم بقضايا فساد يتم إنهاء عملهم ويذهبون بما سرقوا دون محاسبة!!!
عموماً في كلا الحالين فإن الفساد من وجهة نظري لا يمكن أن نحصره في شخص معين يشغل منصباً ما… فهو ليس صفة شخصية يتصف بها فلان ولا يتصف بها فلان.
الفساد مثل الفيروس يوجد في البيئة الصالحة لتكاثره… فكما أن الفيروس يعيش في الجسم الضعيف قليل المناعة فإن الفساد ينتشر في البيئة ضعيفة القوانين… وقليلة الرقابة.
لكننا نملك التشريعات القانونية القادرة على مكافحة الفساد… ورقابتنا ليست بقليلة.
نعمان برهوم
التاريخ: الأثنين 14-1-2019
رقم العدد : 16884