مهما حاولنا أن نرسم مشهد ما يحصل اليوم على صعيد الاقتصاد والمجتمع السوري بعيداً عن الحرب وتداعياتها الكبيرة، فإننا نجد أنفسنا وبحكم الضرورة والواقعية عائدين إلى هذا المشهد الذي أرخى بظلاله على جزئيات يومياتنا بتفاصيلها الضيقة، ومع كل أسف فعلت فعلها الحرب وأمعنت به و أدت إلى تراجع وخلل على أكثر من صعيد، كما أنها أفرزت مزيداً من الممارسات الخاطئة وربما في أمكنة معينة كرست بعض المفاهيم التي لا تتناسب مع المجتمع والاقتصاد السوري لكنها أتت مفصلة وعلى مقاس بعض المتاجرين والفاسدين.
ولو عدنا إلى مجريات الحروب التي مرت على العالم فإننا سنجد حتماً أن كل الدول التي مرت عليها الحروب ومن ثم وضعت أوزارها فيها تعرضت إلى نقص حاد في الموارد أثر على مخازينها الاستراتيجية وجعلها تضطر في مراحل أخرى (إعادة الإعمار) لما يسمى المديوينة والقروض والاستئجار ومصطلحات عدة نحن في سورية كنا وما زلنا بعيدين عنها رغم هذه الحرب طويلة الأمد والمستمرة على أرضنا والفضل لإسطورة جيشنا المنتصر والسياسة الحكيمة وصمود المواطن.
وفي حقيقة الأمر ولم يعد يخفى على أحد أن هناك من يساهم في وجود الأزمة أياً كان نوعها (غاز – مازوت – كهرباء )، ومن الطبيعي أن نشهد قلة في هذه الموارد تصل حد الاختناق والأزمة، إلا أنه من المستغرب ما يحصل من استغلال ومحاولة البعض لاستمرار الأزمة في جزء منها تقصير في إدارة عملية التوزيع العادل، أما البعض الآخر فهو يعمل للمتاجرة بالأزمة بطريقتين، أولها: متاجرة مادية تحقق للمتاجر مكسباً مادياً كبيراً على حساب حاجات الناس الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وأما الثانية وهي الأسوأ: إظهار أن الوضع ليس على ما يرام.
وعلى هؤلاء أن يدركوا أن كل الحروب لها نتائج، وأن القراءة الدقيقة تظهر أن ما يحصل لبلدنا حالياً هو ما حدث في كل دولة قامت من تحت ركام الحرب، فهناك مراحل لا يمكن تجاوزها إنما يمكن التقليل من نتائجها السلبية من خلال تضافر وجدية مختلف الجهود، والتعالي على المصالح الشخصية والعمل لتكون العقوبات أكثر شدة وصرامة لتساهم فعلاً في ردع هؤلاء المتاجرين (مخلفات الحرب).
رولا عيسى
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894