يبدو أن اللعب بأمن واستقرار العالم وتعريضه للمزيد من الأخطار الجسيمة هو استراتيجية أميركية لا تتوقف عند حدود معينة بل كثيراً ما نراها تنزلق مع كل مأزق داخلي أو فشل خارجي باتجاه سلسلة من التصرفات الرعناء التي تكشف عورات هذا النظام الامبريالي المتغطرس وتفضح تهوره ولا مبالاته بمصير ومستقبل البشرية جمعاء.
ففي قفزة جديدة نحو المجهول العالمي نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديداته وأعلن انسحاب بلاده من اتفاقية التسلح بالصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة المدى الموقعة مع الاتحاد السوفيتي قبل أكثر من ثلاثين عاماً، في استعادة متعمدة لأجواء الحرب الباردة ودفع مقصود باتجاه سباق تسلح عالمي جديد من شانه أن يهدد السلم والأمن الدوليين بمزيد من التوترات والحروب على مساحة الكرة الأرضية.
هذا التصرف الأميركي الذي ينطوي على نوايا عدوانية تجاه روسيا ودول أخرى مثل الصين سرعان ما ردت عليه موسكو ـ وهي المعنية رقم واحد بهذا الإجراء ـ بتعليق العمل بالاتفاقية المذكورة تاركة الباب مفتوحاً لإعادة التفاوض حولها، في حين كان القلق سيد الموقف في أوروبا جراء الانعكاسات المحتملة لمثل هذا التصعيد الخطير على أمن دولها واستقرارها ولا سيما أنها تقع في حقل النيران الافتراضي لأي مواجهة بين القطبين الكبيرين.
اتفاقية التسلح بالصواريخ النووية والحد منها هي ثالث اتفاقية مزقها ترامب في أقل من عامين بعد اتفاقية باريس المناخية والاتفاق النووي مع إيران، وهذا يؤكد استراتيجية واشنطن العدائية واستعدادها للمزيد من الخطوات المتهورة في سبيل استعادة هيمنتها الأحادية على العالم، الأمر الذي يقتضي تحركاً أممياً واسعاً لكبح جماح غرورها وتغطرسها قبل أن يدفع العالم أثماناً باهظة لسياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الأمم المتحدة.
يدرك العالم جيداً أن استراتيجية روسيا محورها الردع والدفاع وإطفاء الحرائق وهي لا تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، بينما الاستراتيجية الأميركية قائمة على العدوان والتدخل وإشعال النيران، وقد سبق لها أن استخدمت السلاح النووي بطريقة بشعة لإبادة مئات آلاف اليابانيين، وفي ظل نظام أميركي عدائي، تبقى كل الخيارات مفتوحة حتى يثبت العكس..؟!
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 4-2-2019
رقم العدد : 16901