التدخل في الشرق الأوسط لإعادة تشكيله أدى إلى نتائج مضادة لما رغب به المتدخلون، إن إلقاء نظرة على التاريخ المعاصر يساعدنا في رؤية أحداث شاملة: نشوء حزب الله، حماس، القاعدة، داعش، تدمير نظام طالبان، صدام حسين، معمر القذافي، محاولةإسقاط سورية، محاولة تقسيم العراق وحرب اليمن، هذه القائمة الطويلة تشهد بأثر الأعمال الكثيرة التي قامت بها الولايات المتحدة، أوروبا، إسرائيل وحلفاؤها في الشرق الأوسط بأمل (تغيير الأنظمة)، وعجزها المطلق عن خلق (شرق أوسط جديد).
أعمال أميركا وحلفائها أدى إلى نتائج لم تكن ترغب بها فقد تعزّز الوجود الإيراني في الشرق الأوسط، وأعاد الوجود الروسي إلى الساحة الدولية، كما أدى عمل الغرب إلى تدمير واسع للبنى التحتية الأساسية في العديد من الدول ما أدى إلى الهجرات، البؤس، غياب الخدمات والغضب على الغرب، بالمقابل بعض دول الشرق دفعت لأميركا مبالغاً هائلةً بناءً على طلب تلك الأخيرة بهدف إضعاف حكومات منطقة الشرق الأوسط، أما النتيجة: منطقة أكثر فقراً، أكثر قلقاً ومعادية للغرب
غزو إسرائيل للبنان عام ١٩٨٢ والذي أدى إلى إخلاء لبنان من (منظمة التحرير الفلسطينية) كان فرصة لولادة حزب الله.
تقييم تل أبيب الخاطئ للوقائع جعلها تظن أنه بإمكانها إيجاد (حماية صديقة مطيعة وعاجزة) على حدودها الشمالية، حاولت إسرائيل إجبار القادة اللبنانيين التوقيع على معاهدة سلام مع إسرائيل وإخضاعهم التام لإرادتها ولمخططاتها التوسعية..حزب الله كان ينمو ويكتسب القوة وحب الناس له إذ شكّل جزءاً من الناس.
إسرائيل لم تفهم ماهية الحرب وعمدت عام ١٩٩٢ إلى اغتيال السيد عباس الموسوي وأفراد أسرته القيادي في حزب الله وكذلك مرشده الديني.
اعتقدت تل أبيب أنها بذلك تستطيع شلّ حزب الله، لكن سرعان ما حلّ محله السيد حسن نصر الله وهو خبير بالحرب النفسية وذكي، منح الحزب اتساعاً واسعاً وتحول إلى منظمة قوية وفعالة.
تحت قيادة السيد حسن نصر الله أصبح حزب الله أكثر قوة من الجيش اللبناني وجميع قوى الأمن الداخلي مجتمعة، واليوم يمتلك الحزب صواريخ دقيقة تعمل بالوقود الصلب، وصواريخ مضادة للدبابات توجه بالليزر، وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ دفاع جوي يتم التحكم بها عن بعد، والآلاف من القوات النخبة المدربة جيداً، كما يتمتع الحزب ببنية تحتية اجتماعية ومستشفى ومدارس وبنك والكثير من الأمور الأخرى.
عام ٢٠٠٥، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري اعتقدت أميركا أنها استعادت السيطرة على لبنان ونجحت بإرغام سورية على الانسحاب من لبنان.
دخل حزب الله في البرلمان اللبناني وأصبح اليوم بوجود ١٨ وزيراً في الحكومة التي تدعم الأهداف الاستراتيجية لاستخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل في حالة الحرب والحفاظ على أسلحته المتطورة (كعامل توازن) لمنع إسرائيل من اختيار الحرب.
حرب عام ٢٠٠٦ التي هدفت (لتدمير حزب الله) أتاحت لايجاد سلسلة تموين عسكري لا سابق له من سورية لحزب الله طيلة الحرب.
وتمكَّن حزب الله من تعلم كيفية العمل بالصاروخ الروسي القاتل Kornet في غضون ساعات وبالتالي منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، اكتسب حزب الله القوة واغتنم الفرصة لتجديد ترسانته من الأسلحة مستفيداً من هذه الحرب.
في ١٢ شباط ٢٠٠٨ اغتالت إسرائيل الحاج عماد مغنية، كان قائداً عسكرياً، وللمخابرات في الخارج وكذلك استلم ملف دعم المقاومة العراقية والفلسطينية والعديد من الملفات الأخرى، بعد هذه الحادثة لجأ السيد حسن نصر الله إلى توزيع تلك المهام على ستة قادة، تمكنوا من زيادة قوة وأداء الحزب.
وأصبح للحزب دوراً ريادياً واضحاً في السياسة.
أيضاً لم يُخفي حزب الله أن فاتورة الرعاية الصحية مكلفة ليس فقط من أجل علاج الحزبيين لكن لأن هناك عشرات الآلاف من الأسر مُسجَلة في خطته للتأمين الصحي المجاني، لأن سعر الأدوية المستوردة مرتفع بشكل يبعث على السخرية بسبب الاحتكار والفساد، رأى أن نفس الأدوية المصنعة في تركيا وسورية وإيران أقل تكلفة بكثير مقارنة بالسوق اللبنانية.
التدخلات الكثيرة في لبنان أفادت حزب الله وحلفائه الإيرانيين ومحور المقاومة، كان من الأفضل للغرب أن يترك الشرق الأوسط بحاله ليطور نفسه ويختار نظمه وحكوماته بنفسه دون تدخل خارجي.
التدخل الأميركي والغربي في دول الشرق الأوسط لا يمكن أن ينجح دون دعم محلي، ودون أن تعيد الشعوب المحلية النظر بشأن هذا التدخل .
بقلم: ايليا ج. مانييه-عن: موندياليزاسيون
ترجمة: سراب الأسمر
التاريخ: الخميس 21-2-2019
الرقم: 16915