أخرجوا حرباً من معاطف توحشهم، ورموها بيننا في بلد الذهب، ليضعونا في عراء المدى؛ على رصيف الزمن الآتي. مدعومة بمال عربي تغمس بالإجرام، وعقل احترف المكر، نشروا الأضرحة وترجل الوقت من أرصدة السنين، ساد صمتٌ حَجَّرَ ماء المآقي.
أكثروا من ورق المراهنات على حيواتنا، حاصرونا بالتشكيك بمبادئنا وحرف معتقداتنا لأخذنا نحو التطور المزعوم، مزهوين ببهو الكلام، على أننا جمهور عمومي، بتجاربنا الشخصية كشفنا زيف أوراقهم، ومحاولة أخذنا من الأحسن إلى الأسوأ، فكسَّرنا أوراقهم.
أوراق رهاناتهم جفت كأوراق الخريف، وازداد اصفرارها؛ حتى تكسرت تحت أحذية جنودنا البواسل، تلاحقت الأحداث في أيام الحرب، وازدادت مساحة نضالنا وصمودنا ما جعل للحياة قيمة، وجعلنا نواجه استنزاف طاقاتنا، ومحاولة الخلاص منا بعين باردة.
اللعب على نسق القيم والإيديولوجيا فشل أمام خصائصنا الثابتة والمتجذرة، تكشفت رؤاهم الكاذبة، رغم غياب العقل لدى البعض، وطغيان الفكر القروي والقبلي بجهلٍ غذّاه الأوغاد المنحطون، المخلصون باقتدار لمحور الشر عملاء ومن ممالك العرب.
سيطرة أميركا الاقتصادية بعد تفكك الكتلة الاشتراكية، جعلها تفرد صدرها على العالم وبدأت تهيمن على الأسواق لتكون المنتج الوحيد والكل سوق استهلاك عالمية، ولما بدأ نهوض الاقتصاد في دول ازداد حيِّز إنتاجها.. الصين واليابان وإيران كانت الصدمة.
أما الصدمة الأكبر حدثت عندما بدأت بعض الدول التي دَعَوْها بالنامية بالاكتفاء الذاتي. وكانت سورية تسابق الزمن لتأخذ مكانها تحت الشمس، بفكرة البحار الأربع والفضاء الاقتصادي، وإحياء طريق الحرير، ما أسعر النار في صدور رجال الاقتصاد الأميركي.
لم يكن بمقدور الإدارة الأميركية تهميش الدول الناهضة، اختلقت الحروب لتحرك عجلة اقتصادها، إنتاجاً حربياً وتسويقاً، والثمن مدفوع سلفاً من أرصدة الدول الغبية اقتصادياً وسياسياً، المودعةُ لمالها لديهم، مقابل غرق حكامها في مستنقع الترف والمجون عندهم
تداخلت خيوط السياسة مع الاقتصاد، ماجعل ترامب رجل الأرقام المحنك يستعر ليجلب العالم كله إلى الحظيرة الأميركية، وكنا نحن محرق الدائرة التي يحاول تضييقها على خناق الشعب العربي ومحور المقاومة، بحجة الربيع المزعوم، وتبرئة صهاينة الاحتلال
اليوم وبلدنا تتعافى جغرافياً من حرب الجنون الطاحنة، تُفْرَضُ علينا حرباً أكثر فتوراً لكنها لاذعة، حصار أميركي ينصاع له الغرب المتوحش، يزداد ويصعِّبُ علينا التحليق بأجنحة مكسورة بسياط تلسع أياماً آتية، وضجيج أوان فارغة تنام في دفء مواقد الفقراء.
كل الحياة قصيرة، تطول بتراكم كثرة المصائب. وشوك الانتظار يتسلل من ثقوب نعال تصفق للسكون، ويزداد نعيق أفواههم المفتوحة علينا كمغارات(الغولة)، لتثبيت مصالحهم المادية، وشهقات من غادروا الوطن تسقى من نزيز الحنين للوطن، وصدأ خديعة الغربة.
معركة تحدينا تحتاج تنمية قدراتنا الذاتية، تميُّزٌ فردي، يجعل كلاً منا مثل نبي بُعِثَ حاملاً فسحة أمل وقدرة على صنع معجزات يتحدى بها عابري الحرية، ليجمعنا نسيجٌ قوي، تيار جارف ينهك جسد الحصار، كفانا نتلقى المعرفة ونصرفها، علينا أن ننتجها،
نحن أصدقاء اللغة والفِكَرْ، حروفنا زورق نبحر فيه للكلمة اليقِظة، جمهورنا المستهدف تعافى بعد الحرب من الطبقية والمنفعة المصلحية، وإن كان يغصّ من بعض من كتبوا شهادات حياتهم على جلود الضفادع، فتتيبس بشمس النهوض لتتكسر كأوراق الخريف.
الانتهازيون متسولوا العدالة الاجتماعية، ومتصيدوا لقمة الفقراء، مجففوا الحليب في الضروع، والفاسدون نُهَّابَ رحيق التجدد، سُرَّاقُ الحلم الواصل بين البحر والميناء، تجار سكون المتعبين، والجاهدون في محو الثقافة الوطنية، ومحو الذاكرة كلهم للجحيم.
نصرنا ضد الحرب العسكرية، أسس فينا تصميماً على فتح أبواب الفرح، والعمل بجد والتواصل في عدم انتظار نهاية الأزمة. فوجه دمشق يمنحنا الإشراق، وسيفها الشامي يلتمع في عيوننا، ومن قاسيون نستمد القوة والكبرياء، لنوقع على دفتر الزمن، سوريون.
لم يعد لنهارات صقيعهم روعة ما حلموا به، لن تمر ركابهم على سجادة أيامنا، ولن تنهار سقوفنا على رؤوسنا، أيامنا ستصبح خضراء ريَّا، بعرقنا وعقولنا المتحدة في جبهة سياسية ومجتمعية، سنتحدى كل الحدود الضيقة المفروضة علين،. نحو المدى البعيد
سماؤنا رحيبة، ووطننا ليس ملكية خاصة لأحد، سنمتطي صهوة العلم والمعرفة لنصنع كفاءات عالية، نتقاسم رغيفنا وقدح الماء. نستمد من تراثنا الإيثار وننبذ الأنانية والتكبر، يوم طلب العَلَمُ حُماتَهُ كلنا حَمَاهُ مع جيشنا الباسل، واليوم يطلب الوطن حريته ونحن له.
أطلق القتلة الرصاص على حقيقة وجودنا، ورموا سحابنا بالنار لحرقه، تقبلنا الموت لأجل ولادة وطننا الذي نحب ونعشق، غذَّوا الاختلاف ليصبح لعنة فينا، لكننا رددناه لصدورهم، ومن لاذ من الخونة بحياضهم، فزمن الوصايات انتهى ومرفوض البتة.
أيامنا البيض قادمة تُنْصَبُ فيها مشانق الفساد، والمساومات على مصير الشعب الأبيّ وثرواته الوطنية، لتكتمل النواقص وتسد الثغرات التي عبرت منها الأحداث، فزمن الآن لابد تتساوى فيه الحظوظ بشكل تلقائي، الأوغاد يلتقون دهراً ونحن نلتقي الحقيقة صدفة
تتلاقى عقولنا وقلوبنا في طوابير التصدي للحصار، والأبواق الإعلامية المسخرة ضدنا مع الحيتان الملتفة في أنظمة إشارية داخل غيماتنا، في حين أقفرت مجالسهم من روادها لكننا نحتاج الصدق والشفافية، لتدخل أوراقهم كماء المقل؛ في حيِّز اللاجدوى وتتكسر
إضاءات
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 21-2-2019
رقم العدد : 16915
السابق
التالي