حالة من الازدهار الفكري ولّدتها حالة من الاحساس بالغبن والظلم منذ مايقارب النصف قرن عندما انطلقت ثورة الثامن من آذار في عام 1963 في سورية وغيرت الفكر التبعي الاستغلالي الذي كان سائدا وفتحت الباب على مصراعيه لنهج وطني قومي تحرري وحدوي تقدمي قطفنا ثماره لسنوات، واستمر هذا النهج والفكر في سورية معلنا الوحدة والحرية والاشتراكية ليس شعارات فقط بل عمل لحزب البعث العربي الاشتراكي كقائد لثورة بيضاء لم تُرق فيها أي دماء بخلاف الثورات التي أتت بعد ذلك.
ثورة العمال والفلاحين الطبقة الكادحة التي طمحت ومنذ قيامها إلى أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وعملت على ذلك جاهدة فكانت سورية في كل يوم إلى جانب الأمة العربية التي لاتزال تخذلها، وبقيت سورية إلى جانب فلسطين المحتلة رغم تخلي الكثير من الدول العربية عنها، ودفعت ثمنا غاليا لكل مواقفها المتمثلة بدولة الممانعة.
لعل من المفارقات المثيرة للجدل ماتستمر فيه البشرية من تناقض حاد بين ثورات ادعت أنها من أجل الإنسانية والحرية وفي خضمها أريقت بحار من الدماء، وماتسعى إليه قيادات عالمية متنورة من تبن لتلك الثورات وإعلانها لحرية الرأي والتعبير والاعتقاد وهي بالأساس تحجب وتمنع أبسط حقوق الشعوب في السيادة وعقوبات فرضتها وصلت إلى حد لقمة العيش.
والمفارقة الكبرى التي يجب الوقوف عندها مطولا كيف أن دولا كبرى كأميركا ودولا أوروبية تشجع على الثورات الدموية تحت شعارات حرية الرأي والتعبير والاعتقاد،وذات وعين تلك الدول منحت نفسها حق القداسة من خلال أساطير وقصص أرض الميعاد وأسطورة (شعب الله المختار) وفي هذا قمة العنصرية وقمة في الإجرام لقتل شعوب العالم العربي والفلسطيني لإقامة الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط قدمت ثورات الدماء مزيدا من الهمجية والفتنة والقتل والتدمير وأنتجت عقولا متعصبة منغلقة سرعان ما يسهل استفزازها واستثمارها في الخراب..
في حين أن ثورة آذار قدمت عناوين فكرية تنويرية وترجمت المعنى الحقيقي للثورات، قطفت ثمارها أجيال عدة وفتحت المسار لثورة تصحيح ذات وهج أكبر، الحركة التصحيحية مبتدأ التاريخ السوري الحديث.
هناء الدويري
التاريخ: الجمعة 8-3-2019
الرقم: 16927