إن التشويق الذي تلتمع به صفحات القصص لا يخفى على أحد دوره كعنصر أساسي ومهم جداً في أدب الأطفال، كما لا يخفى أيضاً أن التشويق جزء من حياة الأطفال، وألعابهم، وتسلياتهم حتى المنزلية منها فكيف يمكن إغفاله في قصصهم المعاصرة؟.. وهو لا يأتي من الموضوع فقط، بل هو يرتكز أيضاً على الأسلوب في فنية القصة أولاً، وفي العبارة ثانياً التي تمس مشاعر الطفل فتفتح عنده باب الفضول لإن الفضول أيضاً مرتبط بعنصري المفاجأة، والتشويق.
عالم الطفولة عالم متفرد، ومتحول بين مرحلة عمرية وأخرى.. والمؤثرات الخارجية تلقي بظلالها عليه سلباً وإيجاباً، فالطفل الذي يعيش زمن الحرب غير الطفل الذي يعيش في بلد آمن مستقر، والطفل الغني غير الطفل الفقير.. والآخر الذي يتمتع بحقوقه غير ذاك الذي حُرم من بعضها أو كلها.. وهذا ما يدفعنا لأن نرسخ للفهم المعاصر للطفولة وقد تجاوزت المفاهيم الساذجة لعقود وعهود مضت، وهي تتفتح سريعاً على مفاهيم جديدة بفعل ما أصبح متاحاً بين أيدي الصغار الآن من وسائل تكنولوجية تنفتح على التواصل، والاتصال.
ولهذا فنحن مطالبون بالاهتمام بأدب الأطفال، وبرؤى جديدة تتجاوز الرجوع الى عوالم مكررة في القصص العالمي، أو في التراث فلا ندخل أجواء الغابات إلا إذا كانت هذه الأجواء ممكنة الوجود، فالغابة ليست دائماً هي تلك المخيفة، أو المليئة بالذئاب.. وغاباتنا الآن غير ذلك.. ولا نبحر في بحر الداخلُ فيه كالمفقود، أو أنه السر الغامض بينما هو الآن ذاك الذي تعج فيه السفن، ويصاب بالأمراض كما هي الحياةُ على الأرض.
إن أدب الأطفال ليس دائماً غائياً بمعنى ضرورة الحكمة، والموعظة، والسلوك الأخلاقي، وحتى المعرفة، لأنه مستهدف بحد ذاته لتنشيط الخيال، أو إثارة الفرح، أو تحفيز ملكة الإبداع، أو الإطلاع، أو إشباع الفضول عند الطفل، أو التذوق الجمالي البحت. كما انه ليس أدباً عبثياً أي أن يفتح الباب للطفل وهو المشحونُ بالخيال، والقابل للتفسيرات ـ ولو كذباً ـ لأن يتناول هذا المعطى كما يشاء.. إذ لابد من دلالات واضحة، وإشارات صريحة، وربط بين الدال والمدلول بحيث يظل النص هو الذي يقود الطفلَ الى ما أراد أن يخلقه الكاتب.
أما من حيث الاهتمام بالموضوعات بشكل أساسي فهناك ما يتعلق جذرياً بعالم الطفل الراهن، وما يمكن رسمه للمستقبل، فلا يجوز التركيز على ما يمكن الإفادة منه في المستقبل مع إغفال الراهن في حياة الطفل، أما مسايرة التطورات المتلاحقة فيما يخص عالم الطفل من علم نفس واجتماع، وأحداث مفاجئة تؤثر عليه، وبيئة تتغير من حوله، ومن تقدم تكنولوجي، كل هذا وغيره ما يدفع الكاتب الى المواكبة، ومن خلالها تتغير الرؤية، وتتبدل المفاهيم، وربما يدخلُ تطورٌ على النتائج، فهناك مثلاً ما يسمى (قرصنة الكمبيوتر) تشبيهاً بالقرصنة البحرية، أو الجوية.. فما هي هذه المفاهيم التي تحكم الجديد في عالم الطفل إذاً؟.. متى تكون قرصنته، ومتى تكون الإدانة، أو السرقة، ومتى تكون التبرئة، وهكذا… إنها المواكبة مع العصر، وخلق التلاؤم معه ضمن مفاهيم العولمة، واتصال العالم بشبكة واحدة.
إن من مهام الأدب والطفلي خاصة كما إثارة الذهن شحذ الانفعالات،، واستغلالها لصالح القصة بحيث يكون الاندماج تاماً، أو شبه تام بين العالم على الورق وبين الطفل القارىء، والانفعال وظيفة أساسية قد تقف أحياناً عند حد الانطباع العام المريح أو المشوق، أو المحزن، أو المخيف، الخ..، وقد تستمر في التصاعد، وأحياناً الى درجة أكثر مما توقعه الكاتب.
وطالما أن الحواجز التي تفصل بين عالم الكبار وعالم الصغار آخذة بالذوبان يوماً بعد يوم نتيجة لتطورات العصر ما يجعل مادة أدب الأطفال أقرب لأن تُستمد من واقع الطفل، وشروط حياته الاجتماعية، والعائلية، وتأثره بتطورات العلم الحديث، ولعل أطفال اليوم الذين غزتهم الشاشات، ووسائل الإعلام هم الأقدر على تقييم ما يقدم لهم على أنه أدب حقيقي للأطفال.
إضاءات
لينـا كيــلاني
التاريخ: الجمعة 15-3-2019
رقم العدد : 16932