على مر العصور شكلت المرأة العربية مصدراً للفخر وصانعة لأمجاد الأمة وحتى في عصر التخلف كانت في كثير من الأحيان نبراسا يضئ الطريق لكثير من نساء عصرها والتاريخ سجل الكثير منهن، حيث سطرن بطولات عظيمة ونسجن تاريخا عريقا وخاصة في منطقتنا «بلاد الشام «والتي تعرضت لأبشع المؤامرات والخذلان على مر العصور والأزمان .
فهاهي المرأة السورية اليوم تخط أروع ملاحم البطولة والوطنية عبر تصديها المشرف للهجمة الشرسة على بلدها من أحفاد من تآمروا على المنطقة ومن مرتزقتهم القذرة وشتتوا شمل البلاد والعباد آملين أن ينالوا منها ومن كرامتها وخيراتها، بيد أن الصمود الأسطوري لأبنائها من الجنسين وتلاحمهم القوي أفشل مخططاتهم الشيطانية ورد كيدهم إلى نحرهم، فالمرأة التي حصدت أرضها وروتها بعرقها كما روى أبناؤها أرضهم الطاهرة بدمائهم، وحصدت زرعها ودرسته لتشكل رافدا قويا للرجل الذي وهب نفسه ودمه دفاعا عن الأرض والعرض، وهي بهذا العمل تعبر عن دورها الوطني والإنساني في المنزل والحقل والمصنع ناهيك عن دورها بتربية الأولاد وتعزيز صلتهم بالأرض والوطن.
ومنهن من شاركت في ساحات الوغى جنبا إلى جنب مع الرجل ولتقول للعالم: «أنا كل المجتمع ولست نصفه» وهي كما قالت فعلاً وقولاً فكانت هي الرجل والمرأة معا ،لا بل قد نالها من هذه الحرب الظالمة والغادرة أكثر مما حل بالرجل وهنا لابد من الاعتراف لها بقدرتها الفائقة بالتغلب على الصعاب الكثيرة وتجاوزها للأزمات، ويحق لها أن تفخر بأنها هي من تبني مجتمعا كاملا كيف لا و هي أم الشهيد وأخته وحبيبته وابنته… وهي من أرضعته الشهامة والصمود والكرامة ولم تكن في يوم من الأيام إلا هكذا، وهذا الأمر ما يدفعنا للسعي حثيثا إلى العمل على تمكين المرأة بكل المجالات «علميا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا «وتعريفها بحقوقها قبل واجباتها ورفع الحيف والظلم إن لحق بها، أو بمن ترعاهم لأنها وبكل بساطة قد عرفت حق الوطن فأعطته ما لم يعطه مخلوق غير فلذات أكبادها /الشهداء/، فكيف لمن وهبت وطنها أعظم ما تملك أي فلذة كبدها وهتفت له عندما عرفت بأنه قد استشهد فداء للوطن وكبريائه بالأغاني الوطنية والحماسية واستقبلته بالزغاريد، ولوحت بعلم الوطن لأنها عرفت وآمنت بقيمة هذا الوطن وحريته التي إن فقدها لا كرامة له ولا كبرياء بعده، معلنة بأنها على استعداد لتزف غيره من أبنائها على مذبح الحرية والكرامة، فالوطن ورفعته وضعته في مقام الواجبات المقدسة والضرورية لحياة كريمة وآمنت بأن لا تقدم التضحيات رخيصة إلا فداه ولأجله، في عيد الأم خاصة وفي كل يوم تشرق فيه شمس الحرية نبعث لها كل التحية والقبلات، وفي كل مكان تشرفه تضيئه وفي كل زمان تنوره وفي كل صباح تشرق فيه الشمس نقولها هنيئا لنا بكِ وهنيئا لوطن أنتِ عماده وأساسه ،فأنت المرأة التي شرفت رجالا كبارا عظاما وحنت عليهم صغارا وأرضعتهم لبنا صافيا عذبا أنتج رجالا عرفوا معنى الوطن وقدسيته مذ كانوا صغارا حتى أصبحوا شدادا فلبوا نداءه، أنتِ من جعلتِ النخوة في رؤوس الرجال والعفة في صدور النساء والحب في قلوب أبناء هذا البلد الكريم الصامد الماجد، ومن أجلك تنحني الهامات وترفع القبعات أنت الأم كما هي الأرض الطيبة التي لا يمكن للكلمات أن تصفك بعدما وصفك الخالق جاعلا « الجنة تحت أقدامك «،فهنيئا لك يا أيتها الأم لا بل هنيئا لنا بك أما و فخرا وعزا فأنتِ الوطن كاملا كيف لا وأنتِ المجتمع لا نصفه. كما يدعون.
يحيى الشهابي
التاريخ: الخميس 21-3-2019
رقم العدد : 16937