حصص التقسيم وما بعده.. من يمسك بالخرطوم غربياً يفزْ بالكعكة الإفريقية!!

 

لطالما كان السودان محط أنظار دول الغرب الاستعماري ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني وبريطانيا، وهذا يعود لعد أسباب تتقاطع جلها عند ثرواته وخيراته الهائلة التي أسالت لعاب تلك الدول الاستعمارية التي لعبت على احتراب وخلافات أبنائه لتتسلل من هذه الباب، وتشعل نيران الحروب والاقتتال والتقسيم بين السودانيين، مع الانتباه جيداً أن معظم تلك الخلافات التي بين أبناء الشعب السوداني كان قد زرعتها وعملت على تغذيتها دول الاحتلال الاستعماري. فالسودان الغني بموارده الطبيعية وتنوعه العرقي كان دائماً هدفاً للأيادي الاستعمارية الغربية المسمومة، وعلى رأسها الأيادي الصهيونية التي لم تتوقف عن العمل الدائم لبث بذور الفتنة والكراهية وإشعال الحروب الداخلية بين أبنائه وصولاً إلى تقسيم الوطن السوداني وفقاً لتقاسم الغنائم والنفوذ بين ذئاب الغرب الاستعماري.
لقد كان لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) دور كبير في تقسيم السودان، عبر تغذية الفتن والخلافات بين الشمال والجنوب وصولاً إلى قرار إسرائيلي معلن في تسليح القوات السودانية لجنوب السودان، وهذا ما فعله رجل الموساد (دافيد بن عوزئيل)، الذي اشتهر بلقب (طرزان) في بناء القوة العسكرية والاقتصادية لجنوب السودان، وعرف هناك باسم الجنرال جون.
لقد نظرت إسرائيل إلى السودان على أنه من أكبر الدول الإفريقية وأغناها، كما أنه من الدول العربية الرافضة للاحتلال الإسرائيلي وغير المعترفة بالكيان الصهيوني، كما أن قادة الكيان الصهيوني لم ينسوا أن السودان العربي سار على النهج العروبي المدافع والمطالب والمناصر للحقوق والقضايا العربية مع استحضارهم الدائم لقمة الخرطوم التاريخية في عام 1967 التي شكلت صفعة للكيان الصهيوني، والتي سُميت (قمة اللاءات الثلاث)، وهي لا للسلام مع إسرائيل، ولا للاعتراف بإسرائيل، ولا للمفاوضات معها.
لقد أخذ القرار بتقسيم السودان في أقبية المخابرات الأميركية والإسرائيلية والغربية وكانت الذريعة حاضرة دوماً عند دول الاحتلال وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وهي حماية الأقليات، وكلنا يذكر ما قاله سفير جنوب السودان الأول لدى الكيان الصهيوني روبين ماريال بنجامين، حين قدم أوراق اعتماده حيث قال مخاطباً قادة الاحتلال الاسرائيلي: (لقد أقيم جنوب السودان بفضلكم، لقد ولد الجنوب بفضل إسرائيل).
ولعل من أبرز الأسباب التي تقف وراء دعم إسرائيل لتقسيم السودان تكمن في تعزيز الدائرة الثانية التي بنتها إسرائيل حول الدول العربية، والتي تشمل تركيا وإثيوبيا وكينيا، كذلك منع وحدة وترابط الجيش السوداني والجيش المصري.
كذلك الدور البريطاني كان كبيراً في إثارة الفتن والطائفية والصراعات بين أبناء السودان وصولاً إلى تقسيمه، ولقد بدأ الاحتلال البريطاني مبكرا في سياسة التقسيم وإثارة النزعات الطائفية وذلك من خلال العمل على سياسة المناطق المغلقة التي حدت من اختلاط الشماليين بالجنوبيين، وانتهاء بتشجيع أعمال التمرد الجنوبي الذي اكتسى ثوباً طائفياً بفعل الأيدي الغربية الاستعمارية.
ضغط الغرب طويلاً على الخرطوم من أجل انفصال الجنوب ولاسيما بعد اكتشاف النفط فيه بمعدلات جيدة تسمح بتحقيق قدر من الانتعاش الاقتصادي والرفاه، وزاد الضغط شدة حينما جمدت شركة شيفرون الأميركية عمليات التنقيب والاستخراج من الجنوب السوداني، فتحولت الخرطوم للتعامل مع شركات ماليزية وصينية وكندية، ما أدى إلى زيادة الحنق الأميركي والبريطاني تحديداً الذي تجسد في قيام واشنطن برفع عصا الاتهام بالإرهاب بوجه الخرطوم.
لقد رمت الولايات المتحدة الأميركية، والكيان الصهيوني، وبريطانيا، بثقل دولي كبير لإرغام الخرطوم على الانصياع لمطالبات بـ«حق تقرير المصير» لجنوب السودان، والذي اقترحته منظمة الإيغاد الإقليمية (شرق إفريقيا)، واستمر الضغط على الخرطوم حتى رضخت لمطالب التقسيم، ووقعت في عام 2002م اتفاق مشاكوس الإطاري، والذي أعقبه اتفاق نيفاشا النهائي عام 2005م الذي وضع جدولاً للتقسيم يستمد شرعيته لاحقاً من استفتاء تقرير المصير في عام 2011م.
انفصل الجنوب، أو بالأحرى فصل الجنوب أو تم تقسيم السودان عملياً في هذا العام، وتركت قضية منطقة آبيي متنازع عليها من دون حسم حتى اليوم، لتكون نواة لأي صراع عسكري قادم بين «الدولتين»، وشرعت الحركة الشعبية لتحرير السودان (فرع الشمال) في تأجيج الصراع بالسودان في إقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق تمهيداً لزرع فتنة التقسيم من جديد في الجسد السوداني.
إن هذا التكالب الغربي الاستعماري على السودان استعر بعد اكتشاف احتياطات هائلة من النفط واليورانيوم وغيرها من الثروات ويكفي القول: إن الولايات المتحدة الأميركية من خلال دراسة لخبرائها الجيولوجيين التي تشير إلى أن احتياطي النفط في إفريقيا الغربية يقدر بستين مليار برميل وإن الحوض الممتد من ليبيا مروراً بالتشاد ونيجيريا والكونغو سيؤمن ربما احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة عام ٢٠١٥، وإذا ما أضيف إليه نفط السودان سيؤمن نسبة لا تقل عن ثلث احتياجاته وهذه الثروات كانت وراء التطاحن الخفي وأحياناً العلني بين الشركات النفطية الاحتكارية العالمية.
وضمان وضع اليد على هذه الثروات يتطلب إزالة جميع العقبات التي تحول دون الوصول إلى هذه الثروات وهذا ما يفسر الحقد الأميركي والأوروبي والصهيوني على السودان الذي فضل التعامل مع الدول الصديقة كالصين وغيرها التي تتعامل بشكل مغاير عما هي عليه الدول الغربية وأكثر ما يغيظ الولايات المتحدة والغرب حصول الصين ومنذ عام 2004 على امتيازات في السودان تمنحها حق تطوير حقول النفط، كما تعتبر السودان ثالث أكبر شريك تجاري للصين في إفريقيا بعد أنغولا وجنوب إفريقيا، وتقف روسيا والصين إلى جانب السودان في مواجهة التآمر الغربي على السودان، وهذا ما دفع الغرب الاستعماري على العمل لتفتيت السودان كما هو الحال في كل مكان لا يروق فيه الوضع لواشنطن وشركائها، والشعب السوداني يدرك أهمية وحدة ترابه الوطني لما فيه خير جميع أبنائه في الجنوب والشمال.
فؤاد الوادي

التاريخ: الخميس 18-4-2019
رقم العدد : 16960

آخر الأخبار
باحث اقتصادي لـ"الثورة": لا نملك صناعة حقيقية وأولوية النهوض للتكنولوجيا شغل (الحرامات).. مبادرة لمجموعة (سما) تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي.. الزراعة العضوية مبادرة فردية ناجحة دين ودنيا.. الشيخ العباس لـ"الثورة": الكفالة حسب حاجة المكفول الخصخصة إلى أين؟ محلل اقتصادي لـ"الثورة": مرتبطة بشكل الاقتصاد القادم المخرج نبيل المالح يُخربش بأعماله على جدران الحياة "الابن السيئ" فيلم وثائقي جسّد حكاية وطن استبيح لعقود دورة النصر السلوية.. ناشئو الأهلي أولاً والناشئات للنهائي كرة اليد بين أخطاء الماضي والانطلاقة المستقبلية سلتنا تحافظ على تصنيفها دولياً الأخضر السعودي يخسر كأس آسيا للشباب دوبلانتيس يُحطّم رقمه القياس رعاية طبية وعمليات جراحية مجاناً.. "الصحة" تطلق حملة "أم الشهيد" ليست للفقراء فقط.. "البالة" أسعار تناسب الجميع وبسطاتها تفترش أرصفة طرطوس ماوراء خفايا الأرقام والفساد في اقتصاد الأسد المخلوع؟ بعد ترميمه.. إعادة افتتاح الجامع الكبير في اعزاز بريف حلب الشمالي من شجرة الرمان كانت البداية.. ريم درويش استثمرت أوقات فراغها بمشروع مثمر حالة ضعيفة من عدم الاستقرار الجوي مع ارتفاع في درجات الحرارة غداً إدارة إلكترونية وربط مباشر بالمصارف.. ما سر "الحكومة الرقمية المصغرة"؟ برامج عمل مشتركة مع "أكساد" لتطوير وتنمية الثروة الحيواني