تحدث أحد الروائيين قائلاً عن منجم التذكر لديه: (.. من أجل إحضار أغلى شيء لدي وجب علي العودة إلى نوع آخر من الذاكرة، الشيء الذي يسمونه المتصوفة «الذاكرة الداخلية» وعلماء النفس «اللاوعي»)..
استحضار لحظات الماضي، وصفةٌ يتتبعها عموم الكتّاب لاسيما الروائيين في خيط حكاياتهم.. سائرين في حلبات اللعب مع الزمن..
هل هي متاهة.. مفخخة بألغام الماضي..؟؟
ثمة عمل لأدواردو غاليانو وسمه بـ(أفواه الزمن)، وهو توصيف أكثر من لافت بجعل الزمن ذا أفواه فاغرة تجاه مطلق إنسان..
يذكر غاليانو في أحد نصوص كتابه المعنون «الزمن»:
(إننا أبناء الأيام…
– ما هو شخص في الطريق؟
-إنه زمن.
أبناء المايا وهم معلمون قدماء في هذه الأسرار، لم ينسوا أن من صاغنا هو الزمن، وأننا مصنوعون من زمن يولد بين موت وموت)..
ودائماً ما يقترن فعل التذكّر بفعل النسيان، أو يلصق بثيمة «الزمن».. لأننا لا نتذكّر فعلياً إلا ما يبدو غافياً في أحضان النسيان.. في أحضان الموت..
نحن مصنوعون من زمن.. باختصار: نحن من ذاكرة.. وسواء أكانت داخلية أم خارجية.. واعية أو لاوعية.. عشوائية أم منتظمة.. تُعيد صياغة لحظات عيشنا وفق قانونها الخاص.
وبحسب هذا القانون يجثم النسيان في المنطقة المعتمة للذاكرة.. لعل شيئا من ضوئها يلحق به.. فيعود إلى ساحة التذكّر.
في كتابه «الذاكرة، التاريخ، النسيان»، يذكر بول ريكور: الذاكرة تُعتبر على أنها المواد الأولية للتاريخ.
وبالتالي هي المواد الأولية لتاريخ كل منا، الموجز المختصر والمكثّف لما عشناه..
نحن عبارة عمّا نتذكره حتى لو كان مختلطاً بشيء من خيال.. أو مشوباً بأشياء من وهم.
ويسوق بول ريكور معلومة: «هناك كلام عن ذاكرة جديدة، تتراكم فوق الذاكرة القديمة المكتوبة، كما تراكمت هذه فوق ذاكرة شفهية أقدم».. ثمة أكداس من ذواكر.. لعلنا زمن الفوضى أحوج ما نكون لذاكرة نظيفة تتراكم فوق أطنان التذكّر البشعة.. حتى لو تطلب الأمر غمرها بفيض من جماليات الخيال.
كيف لنا أن ننتقي مواد «ذاكرتنا» الأولية في زمن سواد العشوائي والفوضوي من الأفعال..؟
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الخميس 18-4-2019
رقم العدد : 16960

السابق
التالي