كان ذلك في أواخر التسعينات من القرن الماضي عندما اعتلى د. فريد خوري المدير السابق لمكتب القطن في حلب المنبر في قاعة مؤتمر القطن السنوي، وروى كيف أنقذ محصول القطن وارتقى الإنتاج إلى مليون طن في سنة واحدة.
ولعل جوهر القصة أنه مع المهندسين والعمال كانوا يسهرون الليل في الحقول ويراقبون حرارة الجو ويعطون الأمر بإعطاء رية بالرذاذ إن وجد، أو بالراحة وبكميات محدودة جداً حفاظاً على الماء وهو قليل، وروى أيضاً أن مكتب القطن كان يراقب بيقظة انتشار الأمراض كدودة اللوز أو بق الإسقاط وعندما يصل انتشار المرض الى العتبة الاقتصادية (أي عندما تصبح أضرار الحشرات أكبر من ثمن الأدوية)، يرفع المكتب الراية الحمراء وتنتشر فرق المكافحة في الحقول ويتم إطلاق العدو الحيوي (أي الدودة الصديقة التي تلتهم الدودة الممرضة وتحمي شجيرة القطن)، علماً أنه كان يوجد في سورية أكثر من ألفي وحدة إرشادية زراعية على امتداد الريف السوري.
هذا هو الدرس وذاك هو المثال ولعلنا بحاجة ماسة إليه الآن، أي في وقت عرفنا فيه غزارة مائية غير مسبوقة، حتى سد الشهيد الباسل جنوب الحسكة قد امتلأ (٥٩٦ مليون متر مكعب من الماء من أصل ٦٠٥ الحد الأعظمي) وهي المرة الأولى منذ تشييده، ففي العام الماضي خزن ١٢٥ مليون متر مكعب. أمطار هذه السنة لم تأت منذ عشرين سنة وقد زرعت أراضينا بالقمح والشعير، على امتداد مساحات واسعة وإذ بدأنا نسمع عن إصابة بعض حقول القمح بالصدأ الصفر -وهومرض يقلل إنتاج السنابل- سواء في حمص أو الحسكة، وأمراض أخرى لمنتجات كالزيتون (عين الطاووس) وكان الإنتاج قليلاً من الزيتون في العام الماضي وأمطار هذه السنة ستزيد أشجاره عطاء.
ما يجعلنا نعيد إلى الأذهان، مثال مكتب القطن في حلب الذي ارتقى بإنتاجنا من القطن من ٣٧٠ ألف طن في السبعينات إلى مليون وخمسين ألف طن في أواخر التسعينات من القرن الماضي، ما أتاح ازدهار صناعتنا النسيجية وصناعة الزيوت النباتية وأحوال ملايين الفلاحين والعمال الزراعيين.
كلنا يعلم كم نحن بحاجة إلى إنتاج وفير من المحاصيل الاستراتيجية يوفر علينا استيراداً لا بد منه بمئات ملايين الدولارات، وإلى إنتاج وَفِير أيضاً من الخضار والفواكه باحتياجاتنا الغذائية والتصنيع والتصدير.
وما من شك أن تحقيق هذه الأمنيات يعتمد على اليقظة والأداء النشط والروح الوطنية العالية، فالمعركة الآن اقتصادية في جانب كبير منها، والمثال من مكتب القطن أمامنا، وهو من صنع رواد من أبناء وطننا المخلصين فليكن نبراسنا.
ميشيل خياط
التاريخ: الخميس 18-4-2019
رقم العدد : 16960