قبل زيارة الوزير

 

في الخطوة الثانية لمبادرة (الحب ليس كلمة) استضافت صالة مصطفى علي في دمشق القديمة على مدى يومين، احتفالية خاصة لتكريم الفنان المعلم نشأت الزعبي تضمنت معرضاً شارك فيه كل من التشكيليين: أسماء فيومي، إحسان عنتابي، أدوار شهدا، باسم دحدوح، عبد الله مراد، غسان نعنع، فؤاد دحدوح، مصطفى علي، نزار صابور، ويامن يوسف. كما تضمنت الاحتفالية ندوة عُرضت خلالها حلقة من برنامج (ملونون) أعدت لأجل المناسبة.
إثر العرض كان هناك حديثٌ للفنان المكرَم استكمل فيه ما تحدثت عنه الحلقة، ثم سرد الفنان موفق مخول حكاية لوحة مهمة للمعلم الزعبي تعود إلى عام 1973، عثر عليها الفنان مخول مصادفة في إحدى مدارس دمشق خلال إحدى جولاته التقليدية بصفته موجهاً للتربية الفنية، ليكتشف أن هذه اللوحة مهداة من نقابة الفنون الجميلة لإحدى مؤسساتنا، ووصلت بطريقة غير معروفة للمدرسة، وبالتالي فإن هذه اللوحة القيّمة النادرة ليست مسجلة في أي قيود، ما يعرضها لخطر ضياعها، وهو ما دفعه إلى سحبها من المدرسة، وإدخالها إلى المتحف التربوي للعلوم، التابع لوزارة التربية. ومع أن اللوحة قد تم إنقاذها، فإن الألم الذي تولد عن جهل مديرة المدرسة بفنان سوري كبير ظل قائماً.
أُطلقت مبادرة (الحب ليس كلمة) من قبل الفنان نزار صابور قبل ثلاث سنوات، وفي خطوتها الأولى اُحتفل بالفنان المعلم إلياس زيات. وعند الحديث عن بدايات الفكرة، قال الفنان صابور «إنها كانت نتيجة حالة التأثر الكبير برحيل الفنان المعلم نذير نبعه، قبل أن يتسنى لنا فرصة إظهار محبتنا له، وفخرنا به. من هنا برزت فكرة تكريم الرموز ممن هم أحياء بيننا، ندعو لهم بطول البقاء، وطورنا فكرة التكريم من إقامة معرض مشترك، إلى احتفالية متكاملة، وبتضافر جهود مجموعتنا استطعنا تحقيق فكرتنا».
ولد الفنان نشأت الزعبي وسط مدينة حماة عام 1939 وقد تفتحت عيناه على التفاصيل الحميمة لمنزل عائلته في إحدى الحارات القديمة وسط مدينة حماة فبقيت ذاكرته على امتداد العقود التالية تحفظ هذه التفاصيل. إلا أن بعض هذه الصور الأولى كان يتشح بالحزن العميق، ففي السادسة من عمره قصفت طائرات المحتل الفرنسي حارتهم، وبعد القصف كان هناك تل من الدمار يرقد تحته رفيق لعبه في الحارة (يوسف) وأخته الخياطة (فاطمة). وفي مطلع السنة الثامنة من عمره فقد أمه بعد صراعها الطويل مع المرض، ويذكر أنه حينما سأل عنها وأجابوه بأنها سافرت، اسودت الدار حوله، وليلتها لم ينم. انتظر حتى نام الجميع بعد أن اطمأنوا إلى نومه، ليخرج رأسه الصغير من تحت اللحاف ويبدأ منذ تلك الليلة سهره السري، وهو يتابع ما يرسمه ضوء (النواصة) الخافت من أشكال على جدران القبو القديم الذي كانوا ينامون فيه. ومنذ ذلك اليوم صار يجد خلاصه فيما تكتشفه عيناه من أشكال، ليس في البيت فقط بل في حارات حماة وبساتينها وعاصيها.
وفي عام 1956 جمعت مناسبة جميلة أربعة من شباب حماة ليشكلوا حلقة فنية، وصار نشأت خامسهم، بمشاركته معهم في أول معارضهم والذي أقيم في منزل صاحب فكرة تأسيسها وتوءم روحه (حمدو زلف) الذي لم تمهله الحياة طويلاً، فرحل باكراً مع ثقافته الثرية وأحلامه الجميلة بعد أن صار للحلقة حضور مهم في المدينة، ففي صيفي عامي 1957و 1958 نصبت الحلقة مخيمين للرسم في عين النابت في ناحية مصياف، وقد نتج عنهما معرضان كبيران، شغل كل منهما معظم جدران غرف وممرات أكبر ثانوية في حماة آنذاك، ثانوية ابن رشد. وفي أحد المعارض لفتت لوحاته انتباه وزير التربية والتعليم في مصر كمال الدين حسين أثناء زيارته إلى سورية قبل قيام الوحدة بين سورية ومصر، فأعجب بمستواها الفني ومنحه مقعداً للدراسة في القاهرة فور حصوله على شهادة (البكالوريا)، وفعلاً ألحقته هذه المنحة بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، حيث عاش تجربة ثقافية وحياتية وإبداعية بالغة الأهمية، ثم استكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرج فيها بدرجة امتياز عام 1964، وكان مشروع تخرجه عن الحمام الشعبي. ذلك بوقت قصير فازت أعماله بتمثيل سورية في معرضين دوليين مهمين في الهند وفي مصر (الإسكندرية).
لم تكن دراسة نشأت الزعبي الجامعية سوى محطة واحدة في رحلة فنية ثرية، قدّمت، ولا تزال، تجربة بالغة الأهمية في المشهد التشكيلي السوري تندرج بين تلك التجارب الأكثر تميزاً والتي أبدعت لوحة سورية، بروح مبتكرة، وخصوصية ذاتية تضاف إلى الخصوصية المحلية، فتمنح اللوحة أهمية إبداعية بهية تسمو بها عن أن تكون مجرد صورة متقنة، أو دليل سياحي. وفي تلك الرحلة الثرية نلقى تجمعات فنية طموحة، وتجارب جريئة، وعطاءً كبيراً في مجال التعليم.
لأسباب تتعلق بتوفير متطلبات الحياة، ابتعد نشأت الزعبي عن سورية نحو عشرين سنة عمل خلالها في الكويت، لكن سورية لم تغب عنه، ولا عن لوحته خاصة، ويختصر تلك العلاقة بالقول: «وإنما أنا جزءٌ من البيت الإنساني السوري على وجه الخصوص، وفي عروقي لا تجري إلا دماء المجتمع الذي أعيش فيه، لذلك تمسكت بما أنا عليه: لوحة تتناول صلتي بما حولي».
www.facebook.com/saad.alkassem

سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 30-4-2019
الرقم: 16967

آخر الأخبار
معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة