هناك احتمال كبير لدخول روسيا والجيش السوري في الفترة القادمة بحرب لاستعادة إدلب، رغم أن الطيران الروسي يقصف حالياً الصفوف الأولى للمتطرفين لإعاقتهم عن قصف القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.
ثلاثة أطراف رئيسية موسكو – طهران ودمشق تدرك خطورة الدور التركي على المدى القصير والمتوسط، في الواقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجد نفسه في منتصف الطريق بين روسيا وأميركا، وبهذا يتعين عليه الاختيار بين المزايا التجارية بمعارضته أميركا ومن جهة أخرى عضويته في حلف الناتو وعلاقاته مع الولايات المتحدة، ومع أنه يدرك أن انضمامه إلى المعسكر الروسي سيكسبه عداوة الولايات المتحدة لكن يعلم أن روسيا وإيران أصبحتا قوتان لا يستهان بهما على المدى الطويل وقادرتان على تحفيز الاقتصاد التركي بشكل أفضل من الولايات المتحدة.
النزاعات في الشرق الأوسط معقدة ومتشابكة، فسياسة الإدارة الأميركية لا تسمح للأطراف الأخرى بالتنظيم، كما لا يمكن التكهن بالخطوة التالية لترامب أو كيف يتجه. يعترف المسؤولون الأميركيون أن إدلب تحت سيطرة تنظيم القاعدة، ومع هذا يبذلون جهدهم لمنع الجيش السوري وحلفائه من استعادة المنطقة واجتثاث المتطرفين منها.
الرئيس ترامب تصرف العكس مرة أخرى في سورية عما كان متوقعاً حين وصفها أرض الرمال والموت، فقد أعرب مرات كثيرة عن رغبته بسحب قواته من سورية، لكنه في كل مرة كان يغير رأيه، واليوم هناك مئات الجنود الأميركيين في سورية إلى أجل غير مسمى- كما أنه لا يرغب بتحرير الجيش السوري لشمال سورية.
نشاط القوات السورية المنتشرة حول إدلب محدد في إطار تحريرها، وتتعرض هذه القوات باستمرار لاعتداءات تنظيم القاعدة وهناك تفجيرات في حلب. ردت القوات الروسية والسورية على الاعتداءات التي شنت على خط الترسيم بقصف مكثف على المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون، كما حررت مؤخراً العديد من القرى والموقع الاستراتيجي قلعة المضيق.
لا يزعج متطرفو القاعدة ومقاتلو تركمانستان القوات التركية المنتشرون في المنطقة، لأنها لا تجبرهم على احترام (خط الترسيم) التركي-الروسي الممتد على طول منطقة خفض التصعيد الذي أقيم العام الماضي، كما لم تتمكن القوات التركية من معارضة الانتهاكات ضد معسكرهم، لهذا اعتبر أردوغان عاجزاً عن السيطرة على القاعدة… هذا الإخفاق وضع أردوغان في وضع غير مريح، حيث أظهر عدم كفاءة لإتمام التزاماته في اتفاقية وقعها مع روسيا.
طلية فترة الحرب على سورية شاركت تركيا بقوة في زعزعة البلد. أردوغان سهَّل وصول آلاف الأجانب الذين شكلوا وحدات مقاتلي داعش إلى سورية، كما ساهم في الدعم اللوجستي للإرهابيين، نقل البترول المسروق وتمويل المجموعات الإرهابية. الأكثر من ذلك ساعدت تركيا المتطرفين في الاستيلاء على كسب وفتح ممر نحو البحر المتوسط على شاطئ اللاذقية قبل طردهم منها.
المتمردون السوريون رغم أعدادهم الكبيرة ظهر عجزهم في ترأس القاعدة، فقد اجتاحتهم معظم المجموعات المتطرفة التي سيطرت على معظم إدلب وريفها.
أردوغان يحتاج لهؤلاء المتمردين في محاربة الأكراد في الحسكة بحال حصل اتفاق مع الجانب الأميركي.
شكَّل المقاتلون السوريون المؤيدون لتركيا درعاً للحد من خسائر القوات التركية في معركة محتملة.
اقترحت تركيا على محاوريها حلفاء سورية روسيا وإيران أن تغيير الدستور قد يخفف من مطالب المعارضة السورية، وطالبت أن تؤخذ مقترحاتها في الاعتبار في عملية الإصلاح الدستوري، دمشق رفضت الاقتراح كما رفضت العديد من الأسماء التي اقترحتها تركيا.
الإدارة الأميركية مضطرة لتحمل تصرفات الأتراك لأن وجود القوات التركية في شمال سورية يناقض فكرة أن أميركا تحتل الشمال السوري. لم تنتزع أميركا السلاح من الأكراد، ستقوم تركيا بالأمر بنفسها، هذا الأمر يصب في مصلحة سورية لأنه في هذه الحالة سيدرك الأكراد الخطر المحدق بهم من الجانب التركي.
ترفض الدولة السورية الاحتلال التركي للأراضي السورية وتريد استعادة إدلب لتجنب استمرارية الوجود التركي على أراضيها، هذا وتدرك دمشق وموسكو أن استعادة إدلب بموجب اتفاق مع أنقرة سيقلل من الخسائر البشرية ومن الأضرار بالبنى التحتية المحلية..
اليوم أصبحت العلاقات الروسية- التركية أفضل من أي وقت مضى، ولا سيما أمام الدبلوماسية العدائية التي تنتهجها الولايات المتحدة حتى تجاه حلفائها بما في ذلك تركيا.. كثفت روسيا التعاون العسكري والتجاري مع تركيا الأمر الذي صدّع الناتو حيث تشكل تركيا عنصراً أساسياً فيه: هذا انتصار كبير لبوتين. إضافة إلى ذلك خط الغاز (تركستريم) البالغ 910 كم ويربط روسيا بتركيا سيزود تركيا بالغاز الروسي وسيجعل من تركيا مزوداً مهماً لأوروبا..
كان للطيران الروسي دور مهم في دعم الحكومة السورية، كما دعمت موسكو سورية في الأمم المتحدة، ومنعت أوباما من قصفها وتمكنت من تخفيف نزعة ترامب الدموية بإمطار سورية بالقنابل.
تركيا أصبحت شريكاً ليس لروسيا فقط إنما لإيران أيضاً، ولا سيما في هذا الوقت العصيب الذي تمر به إيران والذي تتعرض فيه لعقوبات أميركية شديدة. ولكسر هذه الإجراءات وصلت الصادرات الإيرانية إلى نحو تركيا إلى 563 مليون دولار وينوي البلدين زيادة هذا الرقم في السنوات القادمة.
لعبت إيران دوراً مهماً في مواجهة الانقلاب ضد أردوغان عام 2016 ما منح القادة الإيرانيين موقفاً متميزاً مع تركيا، وبهذا يمكن لإيران استخدام علاقاتها الجيدة لمساعدة حليفتها سورية.
السياق والعلاقات بين الجهات الفاعلة الرئيسية تجعل الهجوم على إدلب ليس غداً. ويتوقع من أردوغان أن يجد وسيلة لتحييد القاعدة والجهاديين، أو إعطاء الضوء الأخضر لروسيا والحكومة السورية لمهاجمة إدلب.
ترجمة: سراب الأسمر
بقلم: إيليجا ماجيه
التاريخ: الثلاثاء 14-5-2019
رقم العدد : 16977