يبدو أن الأمور في الخليج بدأت في التدحرج والانزلاق سريعاً نحو مستويات مرتفعة من التصعيد الميداني الذي ربما ينذر بإشعال فتيل التوتر والحرب بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وذلك على خلفية الأخبار التي يتم تناقلها حول تخريب أو استهداف سفن تجارية أو ناقلات نفط إماراتية في ميناء الفجيرة، حيث لم يعد الأمر مجرد تكهنات أو تحليلات سياسية يطلقها البعض حول سيناريوهات يمكن أن تحدث، أو تهديدات وتصريحات إعلامية ذات نبرة عالية تطلقها الولايات المتحدة الأميركية لابتزاز المشيخات (القلقة) من الخطر الإيراني المزعوم تضطر طهران للرد عليها وفق ما تراه مناسباً وفي إطار سياستها الردعية لحماية نفسها ومصالح شعبها من التهور والجموح الأميركي للعربدة والابتزاز.
لا نبالغ إذا قلنا إنه أشبه بعود ثقاب مشتعل تم رميه في مكان تتكدس فيه أنواع مختلفة من براميل البارود المستعدة للانفجار، حيث لا تحتاج هذه المنطقة المليئة بالتوتر والاحتقان أصلاً لأكثر من عود ثقاب كي تنفجر، إلا إذا استطاع عقلاء العالم احتواء ما جرى وسبقوا لحظة الانفجار التي يتم التخطيط لها ربما منذ سنوات بالعنوان النووي وغيره من عناوين تتغير وفق المعايير والمكاييل السياسية الدولية المغشوشة، وحتى هذه اللحظة لا تبدو الأمور مبشرة بالخير والهدوء بالقياس إلى الحملة التضليلية التحريضية المكثفة التي شنها الإعلام الخليجي ومن يدور في فلكه في الساعات الماضية لإلصاق التهمة بإيران وتوفير الذريعة التي ربما يبحث عنها صقور الإدارة الأميركية لشن حربهم الصهيونية الدوافع والسباب على إيران، وذلك في استباق دنيء لأي تحقيق دولي محايد يمكن أن يجري ويكشف هوية الفاعل الحقيقي الذي يستعجل انطلاق الرصاصة الأولى في هذه المواجهة المدمرة في الخليج.
من حيث المبدأ وعلى قاعدة (من المستفيد) من هذا التطور المفاجئ الذي يصب الزيت على النيران السياسية المشتعلة في المنطقة منذ انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وباشر بفرض عقوباته عليها لإرغامها على إعادة التفاوض حول نفس الملف بشروط إسرائيلية جديدة، لا يبدو لإيران أي مصلحة في افتعال حادث خطير من هذا النوع يظهرها أمام العالم وكأنها البادئ بالتصعيد والحرب وهي التي تمسكت بالاتفاق النووي حتى آخر لحظة وحاولت على مدى عام إنقاذه من التهور الأميركي بالتعاون مع باقي السداسية الدولية، رغبة منها في إبقاء منطقة الخليج أرض سلام، ونزع فتائل التصعيد مع جيرانها الدائرين في فلك ترامب وصقور إدارته، لحرمانه من الذرائع التي يبحث عنها لتقليم أظافر إيران في المنطقة واستكمال المشاريع الصهيونية والأميركية المتعطلة في المنطقة بفعل صمود محور المقاومة الذي تشكل إيران أحد ركائزه الأساسية والمهمة.
في المقابل ثمة مستفيدون كثر لهم مصلحة في إشعال النيران في المنطقة وجر الولايات المتحدة لحرب مع إيران، ولا أحد يمكنه أن يعترض أو يناقش في أن إسرائيل هي في مقدمة هؤلاء، إذ أن العالم بأجمعه على دراية تامة بالموقف الإسرائيلي السلبي من الاتفاق النووي مع إيران، حيث لم يتوقف التحريض الإسرائيلي على إيران في السنوات الماضية لحظة واحدة، في الوقت الذي قامت فيه الاستخبارات الإسرائيلية بفبركة العديد من الملفات المزيفة حول الطبيعة العسكرية لبرنامج إيران النووي بهدف جر المجتمع الدولي للمواجهة معها، إلى أن جاء ترامب إلى البيت الأبيض ونفذ رغبة إسرائيل بإسقاط الاتفاق النووي والعودة بهذا الملف إلى المربع الأول مع ما يعنيه ذلك من حالة حصار وعقوبات اقتصادية خانقة على الشعب الإيراني بهدف إسقاط حكومته الشرعية التي تواجه أطماع إسرائيل على العديد من الجبهات ولاسيما في سورية ولبنان وفلسطين وعلى مستوى المنطقة، إضافة إلى ذلك فقد سبق للموساد الإسرائيلي أن نفذ عملية اغتيال في الإمارات العربية المتحدة عام 2010 ضد أحد كوادر المقاومة الفلسطينية، أي أن هذا الجهاز يسرح ويمرح في منطقة الخليج ولا يمكن استبعاد قيامه بمثل هذا العمل التخريبي خدمة للأجندة الصهيونية الساعية لتصعيد التوتر بين إيران ودول الخليج.
وفي هذا المنحى يتقدم النظام السعودي إلى المركز الثاني بعد الكيان الصهيوني في قائمة (المستفيدين) من التصعيد الخطير الذي حدث في ميناء الفجيرة، بالقياس إلى حجم الكراهية التي يكنها هذا النظام المتخلف للجمهورية الإسلامية الإيرانية وكمية التحريض الذي يمارسه إعلامه المضلل في سبيل تشويه سمعة إيران والإساءة إلى مواقفها، واستبدال العداء معها بالعداء للكيان الصهيوني الذي تحول في السنوات الماضية إلى أبرز حلفاء هذا النظام وأكثر الداعمين له في العديد من الملفات والعديد من الجبهات بدءاً باليمن وليس انتهاء بسورية ولبنان، بحكم الانقياد السعودي المطلق للمشروع الأميركي في المنطقة وتنفيذه للأجندات الأميركية دون اعتراض.
ومن المحتمل أن يكون حادث الفجيرة على صلة أيضاً بالحرب العدوانية التي يشنها التحالف السعودي ضد الشعب اليمني حيث تضطلع دولة الإمارات بدور كبير في هذه الحرب الهمجية، وقد سبق أن سقطت صواريخ الجيش اليمني واللجان الشعبية اليمنية في أراضي الإمارات في إطار هذه الحرب ومن غير المستبعد أن تكون الصواريخ اليمنية قد استهدفت ميناء الفجيرة في إطار حق الدفاع عن النفس.
في كل الأحوال وأياً كان المستفيدون من الحادث أو المنفذون له، فإن الأمر كله مرتبط بما تخطط له الولايات المتحدة حالياً سلباً أو إيجاباً، فإذا كانت بالفعل تنوي الاعتداء على إيران ـ وقد استقدمت تعزيزات عسكرية حاملة طائرات وقاذفات استراتيجية وبطاريات باتريوت للدفاع الجوي ـ فمن المؤكد أنها ستستغل الحادث أياً كانت الجهة التي تقف خلفه، ولن يكون لأي تحقيق بالحادث أي معنى، أما إذا كان ترامب يريد الحوار مع إيران كما صرّح في الآونة الأخيرة ـ بعد إدراكه لصعوبة القيام بعمل عسكري ضد إيران وتحمل نتائجه ـ فقد يسجل حادث الفجيرة ضد مجهول، ويطوى كما طويت أحداث مشابهة، ولا شك بأن الولايات المتحدة ستستفيد من هذا الحادث إلى أقصى ما يمكن إما في الضغط على إيران أكثر أو في إطار ابتزاز الأنظمة الخليجية من بوابة الحماية، ويقيناً أنها لن تسمح بكشف ملابساته حرصاً على تمرير أجنداتها في الاتجاهين.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 14-5-2019
رقم العدد : 16977