فيما يلهث النظام التركي لفرض هدنة عسكرية خلال أيام العيد يعيد فيها إرهابييه تجميع صفوفهم ورفع معنوياتهم المنهارة، لايزال الغموض يلف المحادثات الروسية – التركية حول هذا الموضوع، في وقت عادت فيه التهديدات والتحذيرات الأميركية إلى الواجهة وعلى لسان الرئيس ترامب الذي غرّد على تويتر أمس مطالباً بوقف المعارك في محيط إدلب التي بات الجيش العربي السوري على مشارفها بعد أن تمكنت وحدات من الجيش من السيطرة على بلدة القصابية الموجودة في أقصى ريف إدلب الجنوبي. في قراءة المشهد بوجهيه السياسي والميداني، يتصدر الى الواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر خلال الأيام القليلة على خط التصعيد، في محاولة قد تحمل الكثير من الرسائل والأبعاد والدلالات، بهدف خلط الأوراق والعبث بالعناوين والقواعد المرتسمة بالميدان والتي رسمها وشكلها الجيش العربي السوري خلال المرحلة الماضية، كما أنه من المنطقية القول أن يكون استحضار العامل الإسرائيلي في هذا التوقيت تحديداً وقد باتت معركة إدلب في خواتيمها بطلب تركي ودعم أميركي في ظل تزاحم وتعقيدات الملفات والقضايا التي تلف المسرح الدولي ينم عن غياب واضح للحلول والمقاربات الموضوعية للحل، المعارك في محيط إدلب لاتزال مستمرة والجيش العربي السوري في أعلى جهوزية ومعنوياته في أعلى درجاتها، فيما تبدو على المقلب الآخر معنويات وصفوف الإرهابيين منهارة وفي أدنى مستوياتها برغم المحاولات الأميركية والتركية ومعها الإسرائيلية لدعم الإرهابيين ورفع معنوياتهم وتغيير التوازنات القائمة في الميدان في وقت واصل فيه الجيش العربي السوري تحركه نحو الشمال بعد إحكام سيطرته على بلدة القصابية والتلال المحيطة بها وهو ما مكنه خلال الساعات القليلة الماضية من إحكام السيطرة على الطريق الممتد منها نحو الهبيط وصولاً إلى خان شيخون شرقاً، وعلى أطراف جبل شحشبو غرباً، غير أن اللافت في تحرير تلك البلدة هو أنها أول بلدة يدخلها الجيش العربي السوري على هذا المحور ضمن حدود محافظة إدلب الإدارية، إلى جانب كونها كانت المنطلق الرئيس للهجمات المضادة التي استهدفت بلدة كفرنبودة، منذ بداية المعارك، ورغم أن دخول البلدة ومحيطها يأتي ضمن مسار استكمال العمليات العسكرية التي افتُتحت بتحرير كفرنبودة قبل أسابيع، إلا أن دوافعه كانت تكتيكية في جانب منها، ولا سيما أن البلدة وفّرت قاعدة متقدمة للمجموعات الإرهابية، استخدمتها في إطلاق القذائف الصاروخية نحو بلدات ريف حماة الشمالي.
ضراوة المعارك السياسية لم تكن بأقل ضراوة من المعارك الميدانية، حيث سارعت موسكو الى الرد على التحذيرات والتهديدات الأميركية بوقف المعارك في محيط إدلب حيث خرج المتحدث باسم «الكرملين»، ديميتري بيسكوف، ليؤكد أن الغارات الجوية في شمال سورية وتحديداً في محيط إدلب تستهدف الإرهابيين، وأن القصف الذي يقوم به الارهابيون من إدلب غير مقبول، ويجري اتخاذ إجراءات لتحييد مواقع إطلاق الصواريخ الخاصة بهم، وأضاف بيسكوف أنه «في إدلب، لا يزال هناك حشد كبير لإرهابيين يستخدمون هذا الوجود لاستهداف مدنيين أو القيام بأعمال عدائية ضد منشآت عسكرية روسية». كما شدّد المتحدث باسم «الكرملين» على أن «روسيا مستمرة في التعاون والتنسيق مع تركيا، المسؤولة عن منع هذه الهجمات انطلاقاً من إدلب»، وملتزمة تنفيذ «اتفاق سوتشي» في هذا الشأن. وفي ذات السياق فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أن بلاده لا تعترض على «تضافر جهود» منصتي «أستانا» و«المجموعة المصغّرة» في الشأن السوري، مضيفاً أن «الأمر الوحيد الواجب مراعاته من خلال التصرفات والتصريحات، هو التأكيد على التمسك بسيادة سورية واستقلالها وسلامتها»، ولفت فيرشينين إلى ضرورة تعزيز جهود إعادة الإعمار بعد الحرب في سورية، مضيفاً أنه «قبل كل شيء، يتعلق الأمر بالجوانب الإنسانية، إذ يحتاج الأشخاص الذين عانوا خلال السنوات الأخيرة إلى توفير ظروف أولية للمعيشة».
وأضاف أنه «لا شكّ في أن السوريين لديهم القدرة على القيام بذلك (إعادة الإعمار)، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى المساعدة… التي يجب أن تكون من دون تسييس ومن دون وضع شروط من جانب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية». المحاولات الأميركية لوقف تقدم الجيش العربي السوري ترجمت على الأرض بعد معلومات متواترة عن قيام قوات الاحتلال الأميركي بإنزال جوي في شمال شرق سورية، بهدف حماية إرهابيي داعش المحاصرين وإنقاذهم من قبضة الجيش العربي السوري، وقد استشهد عدد من المدنيين إثر عملية إنزال نفذتها قوات أميركية – كردية مشتركة داهمت خلالها عدة مناطق في محافظتي الحسكة ودير الزور، رافقتها اعتقالات للعديد من الشباب. وأفادت وسائل إعلام بأن «القوة المشتركة» نفذت عملية إنزال جوي قرب بئر جويف، حيث قامت بعمليات دهم وتفتيش بعد أن قطعت الطريق الخرافي من بلدة الـ47 في الحسكة حتى منطقة المعامل قرب مدينة دير الزور. كما استهدف الإنزال مربي أغنام من البدو بمنطقة جويف الرحال، قبل أن يشتبك عدد من الأشخاص مع القوة المهاجمة، ما أسفر عن سقوط 4 قتلى في حين هرب الباقون، الأمر الذي استدعى طلب مؤازرة لتفتيش المنطقة. ورافق ذلك الانزال أعمال نهب وسرقة حيث قام عناصر مرتزقة قسد بالاشتراك مع قوات أميركا بالاستيلاء على الذهب الموجود في بعض المنازل، وقد ألحقت عمليات الدهم والتفتيش أضراراً بمنازل المدنيين. يشار إلى أن مرتزقة «قسد» المدعومة أميركياً تداهم منازل المدنيين باستمرار وتعتقل الشباب دون تقديم تهم لأسباب اعتقالهم، إضافة إلى ارتكاب المجازر بحق المدنيين.
فؤاد الوادي
التاريخ: الأربعاء 5-6-2019
الرقم: 16994