إرادة التحريــر باقيــة والمقاومــة هــي الســلاح الأمضــى

في زحمة التطورات والأحداث والتحديات التي تجتازها المنطقة، تمرّ هذا العام ذكرى نكسة حزيران عام 1967 محمولة على حدثين خطيرين لهما صلة مباشرة بتلك الحرب العدوانية وما جرى خلالها، الأول هو اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمدينة القدس التي احتلها الصهاينة في ذلك العدوان الغاشم كعاصمة موحدة للكيان الصهيوني، والثاني اعترافه بالسلطة القانونية للاحتلال الإسرائيلي على الجولان العربي السوري المحتل كمقدمة لاستكمال ما يسمى(صفقة القرن) الخاصة بتصفية القضية الفلسطينية والتمهيد لإعلان (الدولة) العنصرية الإسرائيلية على ما تبقى من الأراضي العربية المحتلة في ذلك التاريخ الأسود من عمر الصراع العربي الصهيوني.
كان الهدف الأساسي من عدوان حزيران في ذلك العام كما يعلم الجميع هو تكريس الكيان الصهيوني الناشئ قبل أقل من عشرين عاماً كقوة إقليمية لا تقهر، وهذا هو السبب الذي دفع ببعض الإعلام الغربي والإعلام المأجور المرتبط به للترويج لأسطورة ما يسمى الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، من أجل جعل الهزيمة واقعاً عربياً لا يمكن التخلص منه أو حتى مجرد التفكير بالتخلص منه، وفرض الإذعان والخضوع على باقي الأمة وبهذا تتحقق أهداف الحرب أي احتلال الأرض واستسلام أصحابها الشرعيين للواقع الجديد الذي فرضه المحتل، ولكن هذا الحلم الإسرائيلي الكبير سقط سريعاً من خلال العمليات الفدائية التي أقدم عليها أبطال المقاومة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة لاحقاً، ولكن الحدث الأبرز الفاصل الذي نغّص على العدو الصهيوني أحلامه تجلى في حرب تشرين التحريرية المجيدة عام 1973 حين انطلق الجيشان العربيان السوري والمصري من جبهتين مختلفتين في الجولان وسيناء يدكان مواقع العدو وتحصيناته لتحرير الأرض المحتلة، فكانت الهزيمة المدوية التي لحقت بالكيان الغاصب حيث تم تهديد مصيره ومستقبله لأول مرة منذ نكبة فلسطين عام 1948، إذ تمكن الجيشان خلال أيام قليلة من بدء الحرب من إسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي اشتغل عليها الإعلام الغربي لست سنوات خلت وتحرير مساحات كبيرة من الأرض المحتلة قبل أن تغدق الولايات المتحدة والدول الغربية الدعم غير المحدود عليه لإنقاذه وتتدخل الأمم المتحدة لوقف الحرب.
ومنذ حرب تشرين التي أعادت للأمة العربية كرامتها وحررت مساحة لا بأس بها من الأرض المحتلة سقط العدو الصهيوني في وهم استعادة قوة ردعه المفقودة فشن عدداً من الحروب والاعتداءات على لبنان وعلى الفلسطينيين، ولكن كل حروبه العدوانية واعتداءاته الإرهابية فيما بعد لم تفلح في إطفاء جذوة المقاومة في نفوس أبناء الأرض وأصحابها الشرعيين لتستمر إرادة التحرير قوية مع بروز المقاومة كسلاح استراتيجي في وجه الاحتلال عجز الكيان الغاصب عن فك رموزه أو وضع حد له.
في كل مرة تُستحضَر فيها ذكرى الخامس من حزيران، تزداد الحاجة لقراءة تلك المرحلة السوداء من تاريخ أمتنا العربية من أجل التعلم من دروسها وعبرها بهدف الحيلولة دون تكرارها تحت أي ظرف من الظروف، ولكن للأسف الشديد تصرّ بعض أنظمة الرجعية العربية ولا سيما تلك الدائرة في الفلك الأميركي وخاصة (النظام السعودي) على التعاطي مع العدو الصهيوني من زاوية ارتهانها للمشروع الأميركي الاستعماري في المنطقة، ولا يخفى على أحد المحاولات المستمرة من قبل بعض المشيخات الخليجية لجعل العدو الصهيوني جزءاً من مكونات المنطقة عبر الهرولة للدخول معه في اتفاقات تطبيع سياسي واقتصادي وثقافي وعسكري ورياضي..إلخ، واستبدال العداء معه بالعداء لإيران الدولة الإسلامية الجارة والشقيقة التي وقفت إلى جانب القضايا العربية ودعمت حركات المقاومة العربية ضد الاحتلال منذ انتصار ثورتها عام 1979.
عند قراءة حدث نكسة حزيران ينبغي الانتباه إلى أن الكيان الصهيوني يعتمد في قوته وغطرسته على أسباب ومصادر خارجية أي على الدعم الأميركي والغربي، لذلك نراه يعتمد كلياً في هذه المرحلة على إدارة ترامب لاستكمال مشروعه الذي عجز عنه في السبعين سنة من عمر الصراع، وعندما يتوقف هذا الدعم لسبب من الأسباب سيبدأ بالانهيار لأنه جسم غريب في منطقة ترفضه بالرغم من محاولات بعض الأنظمة العربية احتواءه، لكنه في النهاية هو كيان وظيفي هش ومصطنع، فاقد للشرعية والمشروعية الدينية والأخلاقية والإنسانية، وهو قابل للهزيمة والانهيار متى توفرت الإرادة العربية الصلبة المصممة على التخلص من أسباب الهزيمة وصنع الانتصار.
منذ حرب تشرين عام 1973 هُزم الكيان الصهيوني في كل حروبه ومواجهاته على يد فصائل المقاومة العربية سواء في لبنان أم فلسطين المحتلة، والوقائع التاريخية القريبة تؤكد أنه منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 حتى اليوم لم يستطع هذا الكيان تحقيق أي إنجاز عسكري له قيمة باستثناء جرائمه الإرهابية بحق المدنيين الأبرياء واغتيالاته الجبانة بحق شخصيات وطنية مناضلة ومقاومة، والتاريخ يشهد أن الكيان قام بانسحابات إجبارية ومن جانب واحد بفعل المقاومة المسلحة من مساحات واسعة من الأراضي العربية المحتلة سواء في جنوب لبنان أم قطاع غزة، ما عكس ضعفاً وترهلاً وتراجعاً مستمراً في قدراته وقوة جيشه بالرغم من ضخامة آلته العسكرية الفتاكة وتفوقها التكنولوجي، وهذا ما يؤكد على أهمية وفعالية العنصر البشري في أي مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني.
لقد كشفت مرحلة ما بعد النكسة عن أهمية وفعالية التعاون والتضامن والتنسيق بين العرب، لأن مثل هذا التعاون والتضامن والتنسيق هو الذي أحدث الفارق في حرب تشرين وحقق الانتصار الناجز بالرغم من كل ما جرى بعد ذلك من اتفاقيات استسلام وإذعان مثل كامب ديفيد وصولاً إلى أوسلو ووادي عربة على طريق التطبيع المجاني، وعلى هذه الخلفية يمكن تفسير الحملات الإعلامية المغرضة التي تستهدف العمل العربي المشترك من قبل جهات وأدوات معروفة تعمل في خدمة المشروع الصهيوأميركي.
منذ ثماني سنوات ونيف وسورية تواجه الإرهاب التكفيري الظلامي الوكيل المباشر للمشروع الصهيوني وقد حققت في مواجهته أقوى الانتصارات، ولاتزال تقاتله في آخر جيوبه في محافظة إدلب، ولكن عيون السوريين موجهة دائماً جنوباً نحو الجولان لتحريره من رجس الاحتلال الصهيوني البغيض، وهذا ما يفسر تكرار الاعتداءات الصهيونية على السيادة السورية بحجج وذرائع واهية وكاذبة، والهدف الأساسي هو حرف الأنظار عن الاحتلال في الجولان والحيلولة دون تحريره، ولكن الجولان سيظل بوصلة السوريين وستظل المقاومة هي السلاح الأمضى في أيديهم من أجل تحريره في ظل اختلال موازين القوى العالمية، غير أن هذه الموازين بدأت ترجح لصالح محور المقاومة بعد حرب السنوات الماضية في سورية ما يجعل الاحتلال الصهيوني دائم القلق على مصيره ومستقبله وهو يعلم جيداً أن حرب حزيران ونتائجها في ذلك الوقت صارت من التاريخ البعيد.

عبد الحليم سعود
التاريخ: الأربعاء 5-6-2019
الرقم: 16994

 

آخر الأخبار
معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة