من هو المُثقف.. وكيف ينال هذه التسمية أواللّقب؟
ومن أي الرّوافد يستقي ليصل إلى هذا الامتياز.. «الامتياز الثقافي الفكري بمعناه الجاد المستجد».. وهل الثقافة شهادة تُمنح؟
هل الثقافة شيء نفخر ونعتزُّ باقتناء بعض كُتبها على رفّة الأزمنة.. وماذا عن ذاكرة الحفظ لدينا, وتقنيات العمل وأدوات التطبيق السائر منها وإليها؟
كل هذه الأسئلة يجب أن تدور في الفلك الثقافي, وفي المدارات التابعة لهذا الفلك أوذاك.. في فلك التمحوّر الثقافي الجاد, ذلك التمحوّر الذي يتبنى أفكارا هادفة يجب أن تُزرع بشكل أو بآخر..
كيف يصل إلى هذه الدرجة.. إلى مرحلة الاكتفاء المعرفيّ المُناط به.. الاكتفاء الذي يجعل اسم المثقف يُستحق أن يُطلق.. وبكل جدارة وثقة..
ذاك المُثقف الذي نحتاج لفكره الوهّاج, نحتاج إلى قلمه, ومحبرته وإخلاصه.. ويبقى السؤال دائماً.. «من هوالمُثقف» والمُثقف الحقيقيّ؟.. كيف نميزه؟.. كيف نميز أدواته الأدبية والفنية واللغوية؟.. أوكيف يفرض علينا ذلك التميز؟.. وكيف يكون ذاك المرآة التي تعكس صورة واقعنا بشكل جمالي آخر؟.. وعند هذا الانعكاس الفكري الثقافي إن صح التعبير.. هل نجد المُبتغى المطلوب؟.. أوهل تتبلور الحلول الثقافية الجادة؟
ونحن بالطبع نعلم بأن المُثقف يجب أن يعي بكلمته ما يقول, يجب أن يدافع من حيث محبرته.. من حيث تتأصل به الشيء الذي يجب تسميته «المسؤولية الثقافية»..
أي مسؤولية من يقرأ, يقرأ الواقع ويشخّص له بعض الحلول.. من يقولب الهم الإنساني بطابع أدبي مختلف.. هذه بالطبع مسؤولية المُثقف الذي زجَّ بنفسه في معترك هذه التسمية والمسؤولية معاً..
«زج َّبنفسه» بين هذه التسميات والألقاب.. بين الفعل والفاعل الثقافي الذي يجب أن يتحد بنا وبالتالي نتحد بمقومات الشغل عليه, بمقومات العمل على بناء الفكر التنويريّ الجاد, الفكر الذي يدور في ماهية ما ندور به.. وينطلق من حيث الشيء الهام الذي يجب أن تُقضى بمعرفته كل الأمور..
وهذا يرجع بنا طبعاً إلى بادئ ذي بدء, إلى نقطة السؤال والتساؤل المعرفي, «من هوالمثقف الحقيقي» وهل بالضروري أن يكون كاتباً..
وأن يمتهن النشر؟.. فكم من عقول تمتلك ثقافة هائلة.. ؟
وكم يتجدد السؤال الملحاح علينا: متى يُستقرأ الواقع بعين المُثقف الذي يستطيع أن يُحرك ساكناً بفعلٍ ما.. يستطيع أن يرممّ بعض الانكسارات المجتمعية حقاً..
«الانكسارات والفجوات» التي يجب التسامي عليها ليس بقوة المعرفة فقط وإنما بشيء من ترجمة وترجمان هذه المعرفة العميقة والحقيقية..
وهنا يطرقنا السؤال التالي: أين دور المُثقف في الأزمات؟
وما هي الاتجاهات الثقافية المُناط بها أن تعمل, وتفعل فعلا تنويري الحال يرتقي بالواقع.. وبالتالي يرتقي بأدوات التبلور الثقافي الوجداني الإنساني إن صح التعبير..
ويجب أن تتبنى الرؤى الثقافية القويمة أوالتقويميّة التي تعتمد فيما تعتمد خلق مناخ ثقافي, تميزه الرؤى التربوية الأخلاقية..
ومن هنا نعي بأن الثقافة منهج عمل بحد ذاته.. وتراكمية الوعي أخلاقي لا يمكن إلاّ الارتكاز عليه, ولا يمكن إلا أن نصوغ من خلال تجليات أفكارنا الثقافية وبعض الرؤى الخاصة به..
تلك الرؤى التي تحاول أن تحدد ماهية الثقافة بمعناها الأجمل, وماهية التسمية التي تُطلق على «المُثقف» وأهمية هذه التسمية التي تحمل الكثير من العناوين والتفرّعات..
ولكنها تُختصر بكلمة المثقف, ذاك الذي نريد حضوره الفاعل والمنفعل بنا إلى الحد الذي يسموبعقولنا وأفعالنا معاً..
ويمنح المُثقف أوالقارئ أحقية التميز الذي يجب أن يمتاز بها..
منال محمد يوسف
التاريخ: الثلاثاء 11-6-2019
الرقم: 16997