الخارقون.. يعودون

 

 

عندما قررت هوليود أن تصبح بضاعتها صناعة رائجة في كل الدنيا ابتكرت لنفسها نماذج لشخصيات خيالية من الأبطال الخارقين، وجُسدت أدوارها على الشاشة بأكثر من شكل سواء بالأداء التمثيلي، أم عن طريق الرسوم المتحركة.
ولما نجحت التجربة، واستقطبت إليها ملايين المشاهدين أصبحت هناك سلاسل، ومواسم من الأفلام التي تكرس لتلك الشخصيات الخيالية، والتي غزت عقول الصغار خاصة فتسللت صورها إلى دفاترهم، ومجلاتهم، وملابسهم، والتذكارات البسيطة التي يحبون اقتناءها. ولهذا تقام لها الاحتفالات السنوية في عروض ترفيهية جذابة للاحتفاء بها، أو بيوم ظهورها الأول على الشاشة.. وليكون تأثيرها حي ومباشر على محبيها فيزدادوا بها تعلقاً، وإعجاباً.. وهكذا تُحكم الحلقة بين المنتج والمشاهد، بين العرض والطلب. حتى أن النماذج الخارقة باتت تشكل خطاً سينمائياً قائماً بذاته له جمهوره الذي يحسب بالملايين.. ولهذا دلالات بعيدة تتضح مفاعيلها على المدى الطويل!!
وبعض هذه الشخصيات التي دخلت عن طريق الرسوم المتحركة لم تعد حكراً على رسومها بل إنها قفزت إلى الأفلام الضخمة ليقوم بأداء أدوارها أهم النجوم. وكلٌ من هذه الشخصيات بات يشكل مثلاً أعلى للمراهقين الذين يرتبطون بها، ويتابعون قصصها.. وخاصة أن المجلات المصورة (الكوميكس) تستخدم تلك الشخصيات الخيالية، وهي تكرس لها عبر صفحاتها.. حتى كادت تصبح جزءاً من تاريخ الذاكرة الشعبية لديهم، أو أنها فعلت.
ومع تطور التجربة، وتوسعها ظهرت نماذج جديدة أكثر حداثة، ومحاكاة للعصر.. فبعد نماذج طرزان، وسوبرمان، والرجل الوطواط الذي ظهر لأول مرة على صفحات المجلات المصورة في النصف الأول من القرن الماضي، والرجل العنكبوت، والعملاق الأخضر، وغيرها، ممن توالى حضورها مع السنين، أخذت هذه الشخصيات الجديدة التي امتزجت مع فكرة الآلة دورها إلى جانب النماذج الأسبق، فإذا بشخصية (السايبورغ) نصف الآلي ونصف البشري، والرجل الحديدي الحديث نسبياً، وغيرهما، يسطع نجمها، ويُصادر شباك التذاكر لصالحها.. ومهاراتها لا تقف عند حدود قدراتها البدنية الفائقة، والخارقة بل تتعداها إلى معرفتها بأسرار التكنولوجيا، وبكيفية استخداماتها لتكون أكثر اقتراباً من العقلية الحديثة.
هذه النماذج الخارقة رُصد لها مسبقاً دورها المحدد، ومهمتها في حماية الأرض، وهزيمة الشر، وحتى لو اقترفوه هم في بعض المواقف فإن له ما يبرره لأن الهدف في النهاية هو إنقاذ الأرض.. وقد كُرس من خلالها لمنطق القوة التي لا تقهر، والانتصار على الدوام ما دام البطل خارقاً في كل مقاييسه الجسدية، والفكرية ليتم إنقاذ العالم على يده.
أما الصراعات فهي تقوم على أساس المواجهة، والمصادمة لا من خلال التفاهم، والحب وكأننا دخلنا إلى عصر ليس فيه سوى المواجهات، والصراعات، ومسلسل (صراع العروش) خير مثال بما ناله من شعبية ساحقة، بينما نسينا زمن الرومانسية، والحب، والقيم النبيلة.
وها هي تلك النماذج النمطية تشهد الآن صحوة جديدة بعد أن كُرس لها على مدى عقود من عهد السينما الهوليودية حققت فيها نجاحاً كبيراً، وجلبت إيرادات ضخمة لتنتعش مع موجة قادمة من الأفلام أُعلن عنها مؤخراً، ولينتعش أبطالها في أدوار جديدة، ومبتكرة.. ودون أن ننسى عناصر الإبهار التي غطت على عناصر أخرى لم تكن مبهرة بالقدر نفسه، وذلك من حيث القصة نفسها، ورسم شخصياتها، والحبكة الدرامية ليتفوق الشكل على المضمون.
واستوديوهات الشهرة تعلن بين حين وآخر عن جديد سلاسلها هذه، وهي تنتمي إلى نوعية أفلام الحركة، ويصنفونها على أنها الأفلام الأكثر نجاحاً على مرِّ العصور، وليعقدوا تلك الصلة الغامضة بين الأرض والسماء لكن على شكل أبطال يأتون من السماء ليهزمهم أبطال خارقو القوة من أهل الأرض.
وإذا كان الهدف من تجسيد هذه الشخصيات هو انتصار الخير على الشر فلماذا يقوم سيناريو الفيلم على مواقف العنف غير المبرر، أو القتل في سبيل تحقيق العدالة، وللعنف آثاره النفسية التي تتجلى في التقليد غير الواعي؟ ومؤخراً كشفت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال أن هذه الأفلام باتت تهدد سلامة الأطفال، والمراهقين خاصة عندما يدخل الوهم إلى عقولهم أن مثل هذا يمكن أن يكون في الحياة العادية للبشر. وإذا كانوا ينصحون الأهل بمرافقة أبنائهم للمشاهدة لكي يقننوا، ويهذبوا بعض المفاهيم وهي تتسلل إلى عقول صغارهم في محاولة لتهدئة جرعة العنف، والقتل فلماذا إذن تُنتج مثل هذه الأفلام؟.. بل ماذا عن أقرانهم الذين يجدون فرصة للمشاهدة دون صحبة الأهل، وكيف سيكون الإقناع بأن العنف ليس بالأمر الصحيح الجيد ما دامت نتائجه قد انعكست إيجاباً على يد البطل الطيب الخارق؟ أم أن لعبة مزدوجة تلعب بالعقول للوصول إلى حالات من العنف المقصود تتجلى في سلوكيات مجتمعات مختلفة من العالم ما دام الأطفال يتأثروون من حيث لا يدرون؟ وحتى الكبار فهم ليسوا بمعزولين تماماً، أو محصنين ضد هذا التأثير السلبي الذي يأتي في قالب يبدو على الأقل أنه إيجابي.
وما بالنا بتقنيات السينما الحديثة التي تتيح للمشاهد تجربة غامرة كاملة الأبعاد تعززها الحركة الجسدية أيضاً من حيث تحرك مقاعد المتفرجين، وتأثير الصوت المحيط الذي يأتي من كل اتجاه بما يجسد حقيقة المشهد، والشاشة العريضة، والبعد الثالث، وقد يصبح الخامس، والسادس مع كل تطور جديد لتقنيات العروض السينمائية، هذا عدا عن المؤثرات البصرية داخل الفيلم ذاته التي تستحوذ على المتفرج، وتحبس أنفاسه.. فهل سيكون لهذا التأثير من حدود؟ والجميع يبحث عن تلك التجربة الغامرة التي تسحبه على عمق عالم السينما.
تلك الأفلام التي تصل إيراداتها للمليارات ربما تكون الأخطر.. وسواء قبلنا كل هذه المدخلات الجديدة، أم رفضنا فلا بد في نهاية المطاف أن نعترف أننا دخلنا عصراً رقمياً جديداً غيّر كل ما حولنا بحيث لا يمكن الرجوع إلى ما قبله، ونحن سائرون في درب قبول مفرداته على علاتها، ودون أن ننسى حسناتها.
لكن (الخلل في الوقت المناسب) ـ حسب تعبير قراصنة المعلومات ـ يمكنه أن يفعل فعله كما يريد، وربما بأكثر مما يريد.. فهل حقاً سيتم إنقاذ الأرض إذا ما عاد الخارقون.. أم أنها ستلقى مصيراً آخر عمداً، أو خطأ؟!!

لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار