أفراح صغيرة

 

 

حين كنا صغاراً، وحين مغيب الشمس ونحن نرنو إليها، كنّا نظن أنها وهي تنسكب بالبحر قد وصلت محاقها النهائي، وهي تبترد لحين الفجر، وربما ذهب بنا الخيال إلى الظن أننا قادرون على الوصول إلى نهايات هذا الكون الذي لا يبدو أنه أكبر من قريتنا وبضع قرى مجاورة، أفرحتنا هذه الخيالات الصغيرة وجعلتنا نصدّق أننا علماء فلك وطبيعة وربما روّاد فضاء، لكن لا أحد يقدرنا حقنا ولم ينتبه بعد ذوو الشأن إلى عبقرياتنا التي تكلّست وهي تنتظر من يأخذ بها ويعمل من أجل استثمارها، ومازلنا ننتظر، ولربما سيطول الانتظار..
أفراحنا الصبيانية الصغيرة وخيلاتنا التي تكسّرت مع أول واقع مرير عشناه تذكرني بأحوالنا التي نمرّ بها هذه الأيام، فعلى ما يبدو أن الطفولة ليست وحدها صاحبة الخيال المهيض، ولا الأفراح الصغيرة التي يصدقها صاحبها (الطفل) وهي عالم ثرٍ ورائع، فثمة جهات أخرى تعرف أن الأفراح الصغيرة تشكّل محطات متتالية في عوالم الإلهاء عن الكثير من القضايا، وهذا معروف بالمثل القائل:الخوف يذهب الألم، فما بالك وأنت تعيش وهم الفرحة، وهم الانفراج للحظات، ومن ثم تعود أدراجك إلى خيبات أخرى كثيرة.
أمس حين كنت غارقاً في العالم الأزرق بادهتني جملة من محدثتي على الطرف الآخر في الصالون (حكومتي الداخلية) وهي تقرأ: إذا أراد الله إسعاد الفقير، أضاع له حماره، ومن ثم جعله يجده، نعم يجده، والحمار الكائن المظلوم في التاريخ، ما أكثر ما نحن مدينون له بالكثير من الأمور في العمل والصبر والشقاء، ويذهب كثيرون إلى أنه أول من مهّد للطرق بشكل صحيح، فهو يمضي يختبر الممرات ويسلكها، ولا يقع بالحفرة مرتين، وقس على ذلك الكثير من الأمور التي مازال يقدمها، وهو راضٍ صابر، وثمة روايات تقول إن حرباً نشأت بين دولتين جارتين اقتتالاً على الحمير، وبكل الأحوال: نأمل أن نضيّع حميرنا كل يوم إن وجدت لتبقى أفراحنا الصغيرة مستمرة.
وعن هذه الأفراح الصغيرة التي طغت على كل فرح كبير، ما أمضّها وأصعبها، أن ترى وطنك من أقصاه إلى أقصاه معطّراً بالدم الطهر، يفتديه بنوه بكل البذل، ولا يمكننك أن تصنع فرحاً كبيراً لأن منغصّات الصغار تجعلك تدور وتدور بفلك السراب، تبحث عن وعن، وحين تجد ضالتك التي هي حقك، لكنها لا تصلك تتصنع الفرح الصغير، وما تكاد تصل النهاية حتى تطالعك العثرات التي تنتظرك، وقس على ذلك استهلاكك اليومي، جعلك آلة لا معنى لها، ناعورة لا تهدأ، لا تعرف كيف تقف، وإن وقفت ثمة ريح صرصر تدفعك لتحارب طواحين الهواء ..
في وطن الكبرياء والفداء، في ملحمة الوجود، ثمة من يسرقك ويبيعك، يسرق قوتك ودمك ويومك وغدك، ماضيك وحاضرك، ويعود ليبيعك إياها، ثمة فرح كبير رواه أبناؤنا بالدم، نريده، ننتظره، لكن ثمة أسراب من الجراد تحول دون ذلك، يالها من مرارات، ولكنها ليست بطعم الهزيمة، ولا الحنظل، لأننا واثقون أن فرحنا الأكبر قادم من تحت وقع أقدام حماة الديار، محروس، مروي بدماء الشهداء، أفراحنا قادمة والغد لنا.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 2-8-2019
الرقم: 17040

آخر الأخبار
بقيمة 2.9مليون دولار.. اUNDP توقع اتفاقية مع 4 بنوك للتمويل الأصغر في سوريا حمص.. حملة شفاء مستمرة في تقديم خدماتها الطبية د. خلوف: نعاني نقصاً في الاختصاصات والأجهزة الطبية ا... إزالة مخالفات مياه في جبلة وصيانة محطات الضخ  الألغام تهدد عمال الإعمار والمدنيين في سوريا شهادة مروعة توثق إجرام النظام الأسدي  " حفار القبور " :  وحشية يفوق استيعابها طاقة البشر  تفقد واقع واحتياجات محطات المياه بريف دير الزور الشرقي درعا.. إنارة طرقات بالطاقة الشمسية اللاذقية.. تأهيل شبكات كهرباء وتركيب محولات تفعيل خدمة التنظير في مستشفى طرطوس الوطني طرطوس.. صيانة وإزالة إشغالات مخالفة ومتابعة الخدمات بيان خاص لحفظ الأمن في بصرى الشام سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية