نبحث دوماً عن الحقيقة مهما كانت قساوتها، قد تؤذينا أو تؤذي غيرنا، لكن لا بد منها لتستقيم الأمور الحياتية، لتصبح نقية أو أكثر نقاوة مما هي عليه، كيف نُجَرِّمُ أو ننفي التهمة عن أي كان، هل هو ذئب يوسف، أم ابن يعقوب المجرم بحق أخيه؟.
قانوناً نقول البينة لمن ادعى واليمين على من أنكر، هل في ما يعتدي به أردوغان على أرضنا السورية بينة أكثر مما يترآى للعالم أجمع، مهما حاول إنكار طمعه في الأرض السورية، وأنه لا يبغي من عملياته العسكرية إلا إبعاد خطر الأكراد عنه.
إن كان يقصد الأكراد السوريين، فهم في المنطقة ما يقارب المئة عام منذ هروبهم من ظلم الدولة التركية، في بداية إنشائها وبتوالي أزمنتها، وهم في سورية هويتهم سورية لهم ما لكل السوريين من حقوق وطنية وعليهم ذات الواجبات، لهم مكان في المناصب والقيادات المختلفة، وفي مقامات التربية بتعدد مراحلها، الكل سواسية.
أما إن كان يخشى أكراد الداخل التركي، فهذا شأن يخص الدولة التركية، إن كانت تشكل هاجساً مؤرقاً لأردوغان، فعليه إيجاد العلاج الناجع بدل نزوحهم غير الشرعي وتصديره الأزمة بالزحف على أرض الجار الذي لم يشكل يوماً أي خطر على بلاده،
إن كان يحلم بسلطنة الشر التي تراوده، فسيكون تقليم أظفارها في سورية، ولن يجد لها سبيلاً مع غباء فكره، وتحطيمه للقيم وحق الجيرة، ترى أَجَّل إحداثها من سبقه من الحكام، حفاظاً على وطنهم وأبنائه، أم لأنهم أقاموا العدل، وأثارها هو بحثاً في أحواله التائهة، أم طمعاً في الهواء والماء وخيرات جار حتى لو فقد محبته واحترامه.
بالزحف على الأرض السورية أظهر أردوغان أنه ومن لف لفيفه من قيادات بلاده طغمة حقد كأبناء يعقوب الذين رموا أخاهم يوسف في البئر، كأن بهم جِنّة أو لبسهم سلطان السحر، والإيحاء بتجريم الذئب بدم كذب، بحثاً عن صك براءتهم من يعقوب.
سذاجة أردوغان فضحت زيف أخلاقه الأصولية، في الخطاب والأفعال والمواقف السياسية المتناقضة والمتباينة، التي ما زال حتى اللحظة يقبض أثمانها نقداً عن أعداد اللاجئين الذين استجرَّهم وما زال يمسك بهم، كي لا تنقطع ساقية المعونات التي ترفد اقتصاده، أو حوافز من بدائل سلاح تقدمه أميركا على ألا يتأذى أيّ من جنودها.
تجاوز أردوغان نزعات مجتمعه الإنسانية، متلبساً أنياب ذئب يطأ الأرض السورية يسرق قمحها ويشعل النيران في حقول لا تصل إليها أطماعه، تركها يباباً تذروها رياح حقده، سرق المعامل وترك بقاياها نتفاً وشذرات، امتطى موجة فكره المتهور بعهود كاذبة في آستنة وسوتشي.
كشف أستار حقده ربان سفينة الوطن حين وصفه بما فيه، رفع أشرعة الصواري لنبحر جميعاً في الأمواج الصعبة إلى شواطئ الطمأنينة والأمان، حيث نجوم الياسمين تنهمر على أرصفة القلوب العطشى لأمان مفقود وذكريات هجرت أعماقها.
بكل الشفافية بدد قائد الوطن في لقائه التلفزيوني، عتمة ما يتداوله العامّة، ونزع القشرة عن الكثير من القضايا، مؤكداً ضرورة الخلاص من تنين الإرهاب الناري وهو يصوغ مشهد استيعاب الحقائق التي تفرضها أكثر من حالة عسكرية وسياسية، مؤكداً ضرورة استعادة الأرض السورية بما عليها من مصادر قوة البلاد.
موضحاً أن على المجتمعين لمناقشة دستور البلاد التحلي بالأخلاق الحضارية، لإعادة رسم لوحة البلاد، حيث تقويم جديد عابر للفصول ينفض غبار السنين العجاف، عن أعمار أنهكتها الحرب، سفراً وغربة وموتاً داخل الحدود وخارجها.
كان بكلماته يُنْهِضُ المحبةِ من تابوت الوحشة، يستمطر سحابَ الأمل ليغسل القحط والتوحش، ويستجرُّ خيوط الشمس من خلف الجبال، لتستمر دورة الحياة في وطن تقصده أسراب السنونو مع الدفء القادم في ثنايا النصر.
شهناز فاكوش
التاريخ: الخميس 7 – 11-2019
رقم العدد : 17117