هلوسات ما بعد الخمسين

 صحيح أن الأعمار لا تقاس بعدد السنين، إنما بما يعيشه المرء وينجزه، ويقدّمه ويترك أثراً عميقاً يبقى فيما بعد الفناء المادي للجسد، ولن نسأل أحداً ما: عن عمره ضمن هذا المصطلح، فكل يعرف كم من السنين عاش، ربما بعضنا مازال يحبو في اللحظات الأولى مع أنه تجاوز نصف قرن، وآخرون عاشوا قروناً وهم مازالوا في العقد الثاني أو الثالث من العمر، عاشوا الثراء والهناء الذي يظنونه، ولدوا وفي الفم ليس ملاعق من ذهب، بل ملء البيت ذهباً وياقوتاً، وألماساً، وكثيرون، كانت الخيبات معهم من لحظة الصرخة الأولى إلى ما بعد أرذل العمر، ظلت تملأ الآذان، كانت في البداية ابتهاجاً (ربما) بالقدوم إلى هذا العالم، وهي يأس وخذلان، وقهر.
ويقال أيضاً إن المرء يقضي الشطر الأول من عمره يفكر بما سيكون عليه، في الشطر الثاني منه، يرسم الأحلام، يظن نفسه أميراً منصبّاً ومتوّجاً بمكان ما، كل شيء متاح بعد أن يحقق جواز المرور الشرعي إليه، لكنه في النصف الثاني وبعد الخيبات المتتالية يحن إلى النصف الأول، كما أفعل، يتذكر الوديان، والمُغر، والدروب الوعرة، يحن إلى قضيب التوت يستله الوالد من مكان مخفي بعد العشاء ليؤدبه به، بعد سلسلة الشكاوى التي غالباً تكون حقيقية، وبعضها من نسج الخيال، لكن لا بدّ من العقوبة، وعلى مرأى الإخوة لعلهم يتعظون!!!
يحن إلى تلك الأيام التي كان يحلم فيها (عذرا يهلوس، وبالعامية يهدوس ) أنه في قادمات الأيامسيعيش وأقرانه العصر الذهبي، ولم َ لا، وكل شيء يجب أن يمضي في مساره الحقيقي ؟
يحن إلى تلك الحكايا الخرافية التي تروي أن تاجراً ما شعر أنه ظلم فلاناً، فلم ينم الليل، وظل يبحث عن بيته حتى وجده ورد مظلمته، وأن مسؤولاً أنّبه ضميره على ما تفوه به، وهو ليس بمؤذٍ لأحد، فعكف دهراً وهو يصلي ويبدع ويكتب ويطلب الغفران، ويحن إلى الكثير مما قيل وروي، أكثره على ما يبدو هراء بهراء، وكلام لا معنى له، ويتساءل: هل سيأتي جيل بعدنا يروي الحقائق على غير ما هي عليه كأن يروون أن تجارنا -أغلبهم- كان تقياً ورعاً صالحاً مؤمناً، ينام الواحدة ليلاً، ليستيقظ صباحاً وقد تضاعف رزقه مرات ومرات، في مخزنه مليون، ولشدة تقاه تضاعف وصار عدة ملايين، ولا يقول لهم: إن ذلك كان احتيالاً ونصباً، والحجة جاهزة ارتفاع سعر الصرف، وربما يخترع سبباً لتسويغ ذلك قائلاً: بمنتصف الليل وحين ارتفع سعر الدولار، كانت السفن والطائرات تفرغ حمولتها من شحن البضائع، طلبها التجار للحظة والتو، ولشدة خوفهم على الفقراء استوردوا وخزنوا، وأعلنوا على الملأ أن لا شيء إلا وهو موفور في البلد، من لبن العصفور إلى ما يمكن أن تتخيله، لو كان في أقاصي الدنيا سيحضر، لكن ليس لك كفقير يدفع عمره وهماً، وربما كما تقول ميادة بسيليس (أفنيت عمري بأوهامك، وكلّ بعمره ضنين).
وماذا لو ذهبت في الهلوسة كثيراً، نمت وأنا أحلم أني افتتحت متجراً وسوبر ماركت، لن يمضي شهر حتى أكون جنيت ثروة هائلة، لا حاجة لي إلا أن أغلق المتجر على ما فيه، لشهر فقط، والباقي تعرفونه من تضاعف الأسعار، ترى: هل هذه هلوسات النهار أم منتصف الليل؟.

ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 15-11-2019
الرقم: 17123

آخر الأخبار
انتخابات اتحاد الكرة بين الحالة الصحية والرغبة السلطوية هل يدرب (لانا) أولمبي كرتنا؟.. مصير مجهول وتحضيرات مبهمة قبل النهائيات بين سوء الفهم وسوء النية.. الكرة السورية تستعيد روحها من خلال انتخابات قادمة السويداء "منا وفينا": حملة وطنية تتجاوز الألم وتعيد بناء الثقة  صندوق خاص للسويداء.. تعزيز الشعور بالانتماء وترسيخ الوحدة الوطنية   مصادرة أسلحة ومخدرات في ريف درعا الشرقي  سويداء الوطن..  صندوق للسويداء  والإعمار بالاستثمار   طريق يربط بين الزبداني وهريرة لتسهيل خدمات المناطق الجبلية  وزير السياحة: تذليل العقبات التمويلية التي تعترض الأعمال   فيدان: أمن سوريا غير منفصل عن أمن تركيا  الشرع يترأس اجتماعاً موسعاً للحكومة ويصدر توجيهات لتعزيز التنسيق الوطني إدلب تستعيد مآذنها… حملة واسعة لإعمار المساجد المدمّرة  حملة أمنية مكثفة لضبط الدراجات المخالفة في سلقين بإدلب الرئيس الشرع يبحث مع الوزراء ورؤساء الهيئات العامة والمحافظين المستجدات السياسية والأمنية  140 ألف طفل وطفلة تستهدفهم حملة اللقاح في درعا بيئة العمل المحفزة.. مفتاح الأداء العالي والرضا الوظيفي  الباحث بسام السليمان: دمشق وأنقرة تواجهان تحديات مشتركة "التعليم المستمر".. تأهيل الشباب ودمجهم بسوق العمل سوريا وتركيا تبحثان قضايا مكافحة الإرهاب وتعزيزالاستقرار وضبط الحدود