الحداثة في التشكيل السوري

 تحت عنوان: (إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث) أقامت وزارة الثقافة ندوتها الفكرية على مدى يومين وأربع جلسات، تحدث فيها المنتدون عن الحداثة في الثقافة والفكر والآداب والفنون، وقد تفرع كل محور إلى عدة عناوين. كانت في موضوع الفن التشكيلي حول الحداثة التي توصف غالباً بأنها التجارب التي خرجت عن قيود الكلاسيكية، والتي تُؤرَّخ أوروبياً بمرحلة الانطباعية مع أن إرهاصات الحداثة كانت قبل ذلك بنحو خمسمئة عام.
ويلفت النظر في مقاطعة الأوراق المُقدَّمة إلى الندوة، مع الواقع الراهن أن تقبُّل الجمهور السوري للحداثة في الشعر كان أرحب، بما لا يقاس، من تقبله للحداثة في الفن التشكيلي، رغم أن الحداثة في الفن التشكيلي السوري تزامنت مع مثيلتها في الشعر. وقد يُفسَر هذا بالتباين الشاسع بين حضور الشعر وحضور الفن التشكيلي في مجتمعنا، وهو أمر يعرفه التشكيليون، حتى أن بعضهم يرى مدخله للجمهور من خلال اعتراف شاعر به، أو تقديمه لمعرضه، وربما لمجمل تجربته. مع أن تجربة التشكيلي الإبداعية قد تكون أثرى وأعمق كثيراً من تجربة الشاعر الذي يقدمها، أو يتبناها.
لكن ذلك التباين الشاسع بين حضور الشعر وحضور الفن التشكيلي يعود في بعض أسبابه إلى التاريخ المحلي لكل منهما. ففي حين يتخطى الشعر العربي في سورية الألف وخمسمئة سنة متواصلة، فإن عمر الفن التشكيلي بمفهومه المعاصر يكاد لا يتخطى المئة سنة، منقطعاً لأكثر من ألف سنة عن إرثه القديم. وحين بدأ فنانو جيل الرواد الأول مغامرتهم التشكيلية الطموحة اتجه تفكيرهم بداية إلى محاكاة ما هو قائم في الغرب، بل وحتى ما تجاوزه الزمن هناك، ولم يتجهوا إلى وصل ما انقطع من تاريخنا الفني، وهو ما حققه إلى حد كبير جيل الحداثة، أو جيل الرواد الثاني، فكانت أمامنا في البدايات تجارب تنتمي إلى الكلاسيكية والواقعية الطبيعية والرومانسية، ومن ثم الانطباعية التي كانت لا تزال مزدهرة في أوربا حتى بدايات القرن الماضي.
لقد أطلق مؤرخو الفن التشكيلي السوري على مجمل التجارب التي بدأت تُعرض للجمهور مع مطالع القرن العشرين تسمية (الفن التشكيلي السوري الحديث)، واعتمد أكثرهم وجهة نظر الناقد الراحل طارق الشريف الذي تحدث عن جيل الريادة وجيل الحداثة. لكن الخلاف ظل مستمراً بين من يرى أن الرائد في الفن التشكيلي السوري هو من بدأ زمنياً، حتى لو كان مُقلداً، أو تقليدياً، وبين من يرى أن الرائد هو من ابتكر أسلوباً أو نهجاً جديداً، تخطى القواعد الكلاسيكية. وبالتالي أضحى هناك ضرورة حديث عن جيل ثانٍ من الرواد، من أجل دقة التوصيف من جهة، ومن أجل تأكيد أهمية الدور الكبير الذي أداه فنانو الجيل الأول، وما تركوا من إرث فني يستحق التقدير، من جهة ثانية.
إن تباين اتجاهات الفنانين وأساليبهم في مرحلة الرواد (الأولى) لم يخرج عن الواقعية التي ظلت مستمرة في الأجيال الفنية المتتالية بأشكال شتى، ويظهر خروج الاتجاهات الفنية عن الواقعية فيما وصفناه بمرحلة الرواد الثانية (مرحلة الحداثة) وترجمت هذه الاتجاهات مفاهيم فكرية تشكيلية تراوحت بين تأصيل الإبداع التشكيلي عن طريق استلهام موروثه الفني والفكري من مختلف المراحل التاريخية، وتوثيق صلته بعصره.
ومع وفرة تجارب الحداثة في الفن التشكيلي السوري المعاصر فإن الاتجاهات الواقعية لم تفقد أهميتها وحضورها المؤثر، ربما لأنها لا تزال الأقدر على الوصول إلى الجمهور، بحكم طبيعة تكوين هذا الجمهور.

سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 3-12-2019
الرقم: 17137

آخر الأخبار
إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة مشاركة سوريا في مؤتمر جنيف محور نقاش مجلس غرفة الصناعة منظومة الإسعاف بالسويداء.. استجابة سريعة وجاهزية عالية صدور نتائج مقررات السنة التحضيرية في ظل غياب الحل السياسي.. إلى أين يتجه السودان؟