بعد بضع سنوات أعادت مديرية الفنون الجميلة دمج المعرضين في معرض واحد، استمر- كما بدأ – بتقديم صورة متكاملة وشاملة عن المشهد التشكيلي السوري بسبب حرص الفنانين باختلاف اتجاهاتهم الفنية ومدارسهم وأجيالهم على المشاركة، ما أدى إلى استمرار نمو أهمية المعرض التي بلغت ذروتها في الثمانينات، حيث صار يقام تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، ودُمج فيه معرض سنوي كانت تقيمه نقابة الفنون الجميلة تحت عنوان (تحية إلى ثورة الثامن من آذار)، ودخلت في إطاره أقسام جديدة كالخط العربي والتصوير الضوئي، وصار أشبه ما يكون بالمهرجان التشكيلي تتوزع معارضه على عدة صالات في مقدمتها صالة الشعب التي أُحدثت مطلع السبعينيات لصالح نقابة الفنون الجميلة، كواحدة من أكبر صالات العرض حينذاك (إذا استثنينا صالة المتحف الوطني بدمشق).
بالمقابل استمرت سياسة اقتناء الأعمال المشاركة من قبل وزارة الثقافة، وقد كان لهذه السياسة الثقافية – الاقتصادية أثرها المباشر على سوق الأعمال الفنية السورية، ففي تلك الفترة التي شهدت افتتاح الكثير من صالات العرض الخاصة ومحال بيع الأعمال الفنية، مثَل الثمن الذي تدفعه وزارة الثقافة معياراً يصعب التراجع عنه ما منح الأعمال التشكيلية السورية قيمتها المادية العادلة إلى حد كبير، وشجع المزيد من الفنانين على العمل والعرض، وحمى الفن التشكيل السوري من المضاربات التجارية في الجوار، والتي كانت تعمل دائماً على بخس الأعمال الفنية السورية قيمتها الفنية والمادية، غير أن هذه الحال لم تستمر بعد ذلك بالوتيرة الحيوية نفسها، ذلك أن المبالغ المرصودة لاقتناء الأعمال التشكيلية لم تعد قادرة على تلبية الغاية التي رصدت لأجلها، نتيجة زيادة القيمة المادية للأعمال الفنية، وزيادة عدد الفنانين الداخلين حديثاً إلى الساحة التشكيلية، والذي يُمّثل اقتناء أعمالهم ضرورة توثيقية وثقافية، كما أن ظهور صالات العرض العملاقة واحتكارها لنتاج بعض الفنانين المهمين بعقود أبرمتها معهم، واستقطابها لكثير من الفنانين المميزين، قد حرم المعرض السنوي من مشاركاتهم، وحرم الدولة السورية بالتالي من اقتناء أعمال تتطلب الحاجة الثقافية امتلاكها لها، كذلك فإن عدم توافر مكان مناسب للعرض، بعد أن تم تحويل صالة العرض في المتحف الوطني إلى جناح دائم للمعماري الكبير أبولودور الدمشقي، أدى مجتمعاً قبل عدة سنوات لإعادة تقسيم المعرض إلى معرضين وتم تخصيص المعرض الربيعي بالفنانين الشباب، والخريفي بالفنانين المخضرمين، بحيث يرث (معرض الخريف) الذي تقيمه مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة، بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، نصف المعرض السنوي التاريخي، محتفظاً بتقليده في اقتناء معظم الأعمال المشاركة، فيما يرث (معرض الربيع) نصفه الثاني مستعيداً مبدأ الجوائز الذي كان سائداً في الخمسينيات، وبما يوحي بارتباط أسمي المعرضين بالفصلين اللذين أقيما فيهما.
مع كل ما سبق فقد ساهمت سياسة الاقتناء من المعرض السنوي، ومن ثم من معرضي (الربيع) و(الخريف) المجدّدين في استمرار حرص الفنانين على المشاركة، رغم انخفاض المبالغ التي تقاضوها عنها بالقياس إلى أثمانها الفعلية، والأثمان التي تدفع لها بالأسواق العربية المجاورة، وخاصة في السنوات الأربع الماضية التي شهدت إلى ما سبق تكريم عددٍ من الفنانين في كل معرضٍ، واستمرار اقتناء وزارة الثقافة لأعمال الفنانين في معارض الصالات الخاصة،
من جهة ثانية ساهمت سياسة الاقتناء في تملك الدولة لمجموعة مهمة من الأعمال الفنية ذات القيمة الإبداعية والثقافية والتاريخية، والتي تمثل مخزوناً ثقافياً مهماً لأي دولة، وقد اقتنيت (هذه المجموعة) لغايتين بآن واحد، أولها تشجيع الفن التشكيلي، كما سبق، وثانيهما تكوين نواة لمتحف الفن الحديث، المشروع الذي أدت ظروف الحرب على سورية إلى تأجيله، دون أن يخرج من خطط الدولة.
سعد القاسم
www.facebook.com/saad.alkassem
التاريخ: الثلاثاء 14- 1 -2020
رقم العدد : 17168