إن مسرح الطفولة وقد ارتبط في بداياته بصندوق الدنيا، أو صندوق العجائب، وخيال الظل هذا الفن الشعبي الذي كان له دوره الإيجابي في وقت من الأوقات، وبمسرح الدمى، أو العرائس وهي تُطلق ضحكات الصغار، وتزرع البهجة في نفوسهم.. أقول إن لهذا المسرح أهمية كبيرة من حيث التأثير في سلوك الطفل، وبناء شخصيته، فكما هــو ـ أي الطفل ـ يتماهى في شخصية أبطال القصص فإنه لا يقف أمام الخشبة متفرجاً فقط بل هو منفعل، ومتماهٍ مع أبطال العرض المسرحي وشخوصه، وهذا بدوره يحقق الغرض الأكبر من فكرة المسرح عند الطفل تأثراً، وتأثيراً.
ولطالما أكد الدارسون، والتربويون، وعلماء نفس الطفل على الدور الإيجابي الذي يلعبه المسرح في حياة أطفالنا.
وكما يتفاعل الطفل مع عالم القصة، وهي الأقرب الى قلبه عندما يتماهى في شخصية البطل، أو يتوحد معه، فإنه يحقق ذلك بشكل أعمق مع المسرح عندما يتفاعل مع العرض المسرحي بعفوية على أنه حياة تتحرك أمامه، فيصدقها لتصبح بالتالي مجالاً خصباً لبث القيم، والأفكار الإيجابية، والبناءة.
ومادام الطفل بما يملكه من طاقة على التخيّل يحول من خلالها المستحيل إلى واقع فهو يؤنسن العالم من حوله بموجوداته من جماد، وحيوان، وفي الوقت ذاته لا يتردد أثناء لعِبه من القيام بتمثيل أدوار فيما يسمى بالدراما (الإيهامية)، وهو يستنطق الأشياء، ويتحاور معها، ويقلد بالتالي ما يلاحظه من حركة، وسلوك في العالم من حوله، وكأنه يهدم ذلك الحد الفاصل بين الواقع والخيال، وإذا بالشجرة تنطق، وبالحيوان يرقص، وبالكرسي يتجول في أرجاء المنزل، وفي عالم من اللامعقول يغذيه الخيال، ويطوره الإبداع، ولكنه يظل في عالم الطفولة هو لعب، ومرح، وتسلية.
وقد استفاد المسرح من هذه الموهبة الفطرية عند الأطفال في تجسيد أدوار لهم على خشبته.
وإذا كانت الحيوانات هي الأقرب الى عالم الطفولة في مراحلها الأولى فكم من البهجة، والمتعة يحصل عليها الأطفال إذا ما قفزت تلك الشخصيات المحببة إليهم إلى خشبة المسرح لتغني معهم، وترقص، وقد تدخل إلى بيوتهم كما الأصدقاء.
فالمسرح إذاً تنشيط وترفيه، وتعليم أيضاً.. وهو كما يصفه بعضهم: حاجة تربوية، وفرصة للإبداع، والتثقيف.. وهو في الوقت ذاته يتكامل مع دور المؤسسة التربوية، ويستوعب طاقات الأطفال.
أما عن تلك العلاقة القائمة الآن بين المعاصرة والمسرح فأقول إنه في زمن أصبح فيه الطفل يتلقى ثقافة أدبية من مصادر مختلفة كوسائل الإعلام من تلفزيون، وغيره، كما من شبكة المعلومات، والسينما، وغيرهما، فقد أصبح لِزاماً علينا تطوير المسرح بما يُقنع، ويُؤثر، ويؤصل الهوية، الى جانب الانتماء.. وهذا ليس فقط عن طريق معرفة التراث، بل إن علينا أيضاً مقاربة موضوعات جديدة هي من واقع الطفل العربي المعاصر سواء ما يتعرض منها لمشكلاته، أو ما يتطلع اليه في مستقبل باتت تحكمه الآلة، والتقنيات الحديثة في تفاصيل الحياة اليومية.
وحتى خشبة المسرح ذاتها باتت تحت سطوة هذه التقنيات، إذ لم يعد الجمهور يتفاعل مع الخشبة من دونها كحاله قبل ظهورها، وقد صادرت ما تسمى (السينوغرافيا) لصالحها وذلك من حيث المؤثرات: كالإضاءة، والصوت، والصورة، وكل ما يحدد فضاء المسرح، وفن المنظر.. وبحيث تتحول خشبة المسرح الى عالم كامل متكامل بكل عناصره، وكأنه حياة أخرى داخل الحياة التي تحتوي على المكان، والجمهور.
إن جماليات العمل المسرحي هي ليست في النص فقط.. بل إنها ذلك الحبل السري الجميل الذي يربط بين الطاقة المشعة من النص والمتلقي.. وعندما تنعكس ضوءاً في الوجدان.. فما بالنا إذا كان هذا المتلقي هو الطفل؟.. فهل لنا أن نُغفل كل ذلك الآن في عصر التواصل والإتصال، وقد أصبح لدينا عنوان جديد هو (الجماليات الإلكترونية في الخطاب المعاصر)؟.. إن عصرنة الخطاب الطفلي المسرحي باتت ضرورة ولم تعد اختياراً.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 17-1-2020
الرقم: 17171