الملحق الثقافي:حوار: جيهان رافع:
هناك مساحات صغيرة تمنحك سعادة كبيرة؛ ككتابٍ اتَّسعت عيناك عِنْدَما قرأت به لمحة خبَّأتها في خزائن ذاتك، أو مساحة عطاءٍ قُمت به ففرحتْ كما لو أنَّه جاء هدية لك.. وبين ولادة الفكرة وشهقة الحلم، نبقَى على حافةِ الأمل، وعندما تتحقَّق النجاحات يبتعدُ عنك الذين كُنت تظنُّهم أصدقاء، ويكثُر حولك المراقبون والمحللون؛ فتصير حارسًا أمينًا لنجاحك؛ تدافع عن استمرارك بضراوةٍ، ويتحول ذاك الابتزاز العاطفي مصدرًا لتقدُّمك بنجاحات أكثر؛ ذلك سيحدث بكل تأكيد «لو انطلقت من الإيمان بذاتك»..
هكذا استهلَّ المكرَّم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة «الرؤية» العُمانية، حديثه إلينا عن أقرب الدروب وأقصرها للإيمان بالذات ووضع أول خطوة على طريق النجاح والتميُّز؛ فكان لنا معه هذا الحوار الشائق؛ الذي كشف من خلاله عن أنجع الآليات لصياغة الأهداف والطموحات في الحياة، والمثابرة من أجل تحقيقها والبناء عليها.
-يمر العالم اليوم، والاقتصاد كجزء منه، ببعض التجاذبات بين صعود وهبوط، وتوترات وخلافه، في رأيك كيف ترى مصداقية الصحافة؟
— المصداقية هي أهم الأعمدة الأساسية في العمل الإعلامي عمومًا والصحافة على وجه الخصوص، ولا يُمكن بأية حال أن يستقيم العمل المهني بدونها، وبلا شك فإنَّه في ظل الظروف العصيبة والمراحل الصعبة يظهر الدور الكبير للآلة الإعلامية بثوابتها الأساسية كفاعل رئيسي في إمداد الرأي العام بالمعرفة اللازمة والمعلومة الوافية لتشخيص الأمور وفق نصابها الصحيح؛ وبالتالي المساهمة في حلها. وفيما يتعلق بالاقتصاد، فيجب استخدام لغة الأرقام الحقيقية، وعدم التهافت وراء كل ما يرد من أخبار وخصوصاً من المصادر غير الموثوقة لمجرد فقط تحقيق السَّبق، كما يحدث في الأخبار المتناقلة عبر السوشيال ميديا؛ فهناك من الأخبار غير الدقيقة ما قد يسبب الحرج لبعض الشركات والأعمال بل ويؤثر على سعر الأسهم.
وخطورة مثل هذا الأمر أنه قد يتفاقم فينعكس في بعض الأوقات على صورة الدولة بشكل عام؛ سواء كان من النظرة الخارجية لها، أو يتأثر اقتصادها سلبًا بشكل أو بآخر، حتى وإن كان طفيفاً، لكنه يفعل فعله. لذلك؛ فأنا أرى أنَّ المصداقية والتثبُّت بالرجوع إلى المصادر ذات الثقة، هي المهمة الأساسية والمسؤولية الكاملة التي يجب على الصحفي -أيًّا كان موقعه- أن يؤديها بأمانة؛ وإلا سقط في فخ الاستهتار بالضوابط العامة. وكما أنَّ هناك مسؤولية أيضًا كبيرة تقع على المتلقي، بألَّا يثق بأي مصدر، بل لا بد أن يتأكد من الخبر قبل الانجرار خلفه، حتى لا يُسهم في انتشار الخطأ بخطأ أكبر.
ضد وأد الورقي
-على ذكر السوشيال ميديا، وفي ظل الطفرة الرقمية الهائلة، مقابل المخاوف من اندثار الورقي سواءً الصحف أو الكتب والمجلات وغيرها، ما رأيك في هذا التطور المتسارع أولاً؟ وهل من الممكن أن نشهد في السنوات المقبلة ثورة ضد وأد الورقي؟
— دعينا نُعرِّف ما يحدث في العالم اليوم، هناك ثورة تقنية عارمة تؤثر علينا كأفراد، تؤثر على أعمالنا، على علاقاتنا بشكل عام، وهذه الثورة اليوم كي ترسم ملامحها وطريقها الصحيح تحتاج إلى سنوات، هي الآن في مرحلة يُمكن أن نسميها مرحلة تشظٍ كبير، وعليها غبار كثير، بعد ذلك ستهدأ الأمور، ويتَّضح مسارها.
ومن وجهة نظري ستبقى على هذه الحال فترة ليست بالقليلة، أتوقع أن تتجاوز العشر سنوات.. ولكن تقييم تأثيرها على الإعلام، فالإعلام الرقمي اليوم يظهر بقوَّة على حساب الورقي، وعلى قدر ما يروِّج له البعض من سلبيات، لكنه في الحقيقة مليء بالإيجابيات التي تستحق أن تُذكر وتُعلن، إيجابيات رائعة على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ فاليوم أنا أكتب مثلاً الخبر هنا في مسقط، فيقرأه العماني في أمريكا أحيانًا قبل العماني في السلطنة على سبيل المثال، ثم إنَّ التقنية أسهمت في التعريف بالكثير من تراثنا وثقافتنا، فاليوم مثلاً نسمع ونقرأ رسائل لشعراء وأدباء بشكل أوسع، ولنأخذ موقع «أمازون» مثالًا حيًّا مباشرًا، كمنصة تسوِّق الكتب والثقافة أكثر من ذي قبل بكثير، هذا إذا أردنا تسليط أضواء كاشفة على الإيجابيات، وهذا الأمر لا يمنع بالتأكيد التطرق للسلبيات أيضًا، خصوصاً وأنها فعلاً أكبر مما توقعنا، خاصة من الناحية السياسية، وتحديدًا منذ العام 2011 أثناء أحداث ما (سموه ربيعاً وهو عدوان)، حيث كانت السلبيات تجتاح العالم والعقول عبر السوشيال ميديا، وهي سبب رئيسي في تدمير الضوابط والقواعد.
وعلى أية حال، يبقى أن أقول بأنني متفائل بمستقبل الورقي، وأنه سيستمر، ونحن نرى منذ سنتين تقريبًا أن القارئ عاد مرة أخرى يرى أن حقيقة المعلومة وجمالية القراءة وتثقيف النفس من الكُتب أكثر متعة، من أن يستمتع بالقراءة من موبايل أو كمبيوتر.
جريدة «الرؤية»
-الساحة الثقافية في السلطنة تسجِّل لكم مسيرة مشرقة في رفع الوعي المعرفي للمتلقي نحو التطور.. حدِّثنا عن أهم المراحل التي مرَّت بها جريدة «الرؤية» وعن أكثر الصعوبات التي عانت منها؟
— لقد أدركنا في «الرؤية» أن لا مجال للاستمرار دون عاملي الإبداع والابتكار وأن نجدد من خلالهما خطابنا الإعلامي، وظل السؤال الأكثر إلحاحًا وحتى الآن: كيف نقدم الجديد للقارئ؟ وكانت الأولوية دائمًا للرسالة الإعلامية النبيلة الصادقة؛ وعلى مدى 10 سنوات عملنا وبشكل منهجي على الخروج من طور الوظيفة التقليدية للصحافة في نقل الخبر إلى حيث صناعته والإسهام فيه، تكللت بسياسة تحريرية متزنة ذات مصداقية وموثوقية عالية ولله الحمد، كلَّلناها بمواكبة للعصر بإطلاق قناة «الرؤية TV»، وإذاعة «صوت الرؤية»، وهي بالمناسبة أول إذاعة إلكترونية في عُمان، كما طورنا الموقع الإلكتروني للجريدة، فصار أكثر حداثة ومصدرًا ذا مصداقية عالية المستوى.
التاريخ: الثلاثاء4-2-2020
رقم العدد : 985