كان الضباب يلف كل ماحولنا، المشاهد الصباحية تتتالى ولكن.. كأننا نراها من خلف زجاج نظارة علق عليها غبار سميك ونسينا غسلها، تلفت يميناً.. بينما أتشبث بمقعدي معتقدة في لحظة أننا نهوي، حتى إني لم اعد أرى السائق، وحدي والضباب يلف اتجاهاتي كلها..
لم يعد مهماً تمسكي بمقعدي، ولا إفلات يدي عنوة، التي كانت تعاندني وتعود إلى الإمساك بشدة بمقعد لم يعد له أي معنى، وانا أشعر أنني وسط الحافلة مجرد عجينة، التصقت إلى جانب بقية الركاب، البعض لم يعد يقوى على التنفس، وتمنوا لو أنهم وضعوا تلك الأكياس الهوائية التي تستعين بها الطائرات عادة..!
انتشار الضباب، وازدياد سرعة السائق، وتلك الأصوات الخفيضة التي تنم عن قلق وخوف عميق، يرتبط بكينونة الإنسان وسط الجماعة، حين يحيق بها تهديد ما، جميعها تجعل من المشهد الآني مرعباً بسريالية يبدو للناظر من خارج الحافلة ساخراً..!
كيف.. مضحك.. للخارجين من عنق الحافلة، ومرعب للجالسين فيها..؟!!
نحن نبدو مجرد وسطاء، مجرد أشخاص قبعوا في تزامن محدد، اللغز الآني ووجهتنا، وغرق الجميع في ذاتهم، وهلعهم المتصاعد، يجعل من دعوة أحدهم لجلب تلك الأكياس الهوائية مجرد مزحة ثقيلة، ففي تلك اللحظات لو أنها وجدت، لانقضوا عليها ومزقوها، دون أن يتمكن إلا قلة من التنفس عبرها..!
مع خروجنا التلقائي من تلك المنطقة الضبابية، وعودة السائق إلى سرعته المعهودة، ومع بدء الركاب بالنزول كل إلى وجهته، يبدأ الضباب الذي لم يكن متموضعاً سوى في أذهاننا، بالانقشاع دون أن نفهم سبب ماعشناه، أهو هلع جماعي، تأثير خارجي.. ترسبات داخلية، وقائع متشابكة.. بدت كضباب في غير أوانه..
الآن نبحث عن تسمية لما عشناه.. ولكن ونحن في خضم الضباب.. لم يكن يهمنا سوى الخلاص الفردي.. بالطبع المستحيل حينها..!
soadzz@yahoo.com
سعاد زاهر
التاريخ: الاثنين 10-2-2020
الرقم: 17189