«هكذا يريد الجمهور..»

 لطالما كان الفن نسغ الحياة، يعطي المعنى، ويثري العقل والروح، ويرتقي بجمهوره بينما يحفز المخيلة والقدرة على الإبداع، وما يتبعها من مهارات.. ولطالما أيضاً كان الفن ساحة تجمع إليها أفراد المجتمع الواحد بل مجتمعات العالم عندما تتحاور حضاراتها، والمتزامنة منها على الأخص.
والفن لا يقتصر على المتعة فقط بل إنه له أدواره التي لا حصر لها في التأثير على العامة من الناس، كما على الخاصة منهم. ومن الفنون ما يتجاوز تأثيره المعنوي، والنفسي ليصل إلى ذلك الجسدي كالرقص مثلاً، أما الموسيقا والغناء فلا أحد ينكر دورهما الإيجابي، والعلاجي بآن معاً لدرجة اعتماد الموسيقا من قبل الأطباء كوسيلة ناجعة نحو الشفاء.
ومادام الفن يعكس الجمال سواء من خلال الكلمة، أم خطوط الرسم، أم مفتاح الموسيقا، وغيرها من الفنون فإن الإحساس به، وتذوقه لا يعدم تأثيره الكبير في تطوير شخصية الفرد وتربيتها، كما تهذيبها نحو الأفضل فالأفضل.
فالفن، والأدب بمختلف مجالاتهما يؤديان وظيفة واحدة على درجة كبيرة من الدقة، والأهمية في حياة الشعوب عامة ألا وهي الارتقاء بجماهيرهما.. وإذا كانت الجماهير ترتقي بالفن فلا يُسمح للفن بحال من الأحوال أن ينحدر بجمهوره تحت أي مبرر كان.. وها نحن في الآونة الأخيرة، وبعد سيطرة الوسائل الحديثة وأقصد بها تلك المواقع الإلكترونية التي تسعف بالصوت والصورة، والتي تساعد على الانتشار من خلال ما يُعرض على صفحاتها، فقد أُتيح المجال لمن لم تكن لديهم أدنى فرصة ليظهروا على أي ساحة أن يعرضوا ما لديهم دون موانع، ولا ضوابط.. وها نحن بدأنا نرى ظواهر متعددة تنبثق هنا وهناك من الفنون، والأدب الهابطين.. ومؤخراً انشغلت وسائل الإعلام، ببرامجها التي تأتي لك بأخبار الدنيا من حولك، أقول انشغلت، واهتمت بشيوع، وذيوع أغنية هابطة لم تخل من المفردات غير اللائقة في تبرير، أو في استهجان لا فرق المهم أنها أنفقت ساعات فضائية في الأخذ والرد، وبين مع، أو ضد.. مما روّج بالتالي لذلك الإسفاف غير المبرر.
إلا أن من المستغرب إقبال الجماهير التي تُعد بالملايين على مثل هذه الأعمال الفنية الرديئة ومثيلاتها، والتي هي في حقيقة الأمر لا تطرب الأذن، ولا تهذب النفس، ولا ترتقي بالذائقة الفنية، وكل ما تفعله أنها تهبط بالذوق العام إلى مسافات تحتاج بالمقابل إلى جهود مستقبلية كبيرة للارتقاء من جديد عبر نشر الثقافة الصحيحة فنياً، وفكرياً وحتى تُسحب جماهير الفن الهابط من ذلك العمق المنحدر الذي وصلت إليه.
ليس مبررَاً للفن، ولا للأدب بحال من الأحوال أن يُفسدا الذائقة المثلى للجماهير مادام لهما هذا التأثير الكبير، وليس مبرراً أيضاً أن يكون الأدب ضئيلاً، وأن يكون الفن هابطاً.. ولو أن هذا يحصل عادة ولكن بنسب قليلة، إلا أنه بات يحصل الآن بكثافة أكثر من أي وقت مضى.
فهل نسير في درب (الجمهور عايز كده)، أم إن الأمر ما عاد يسمح بمزيد من الانحدار بعد مرحلة الإسفاف التي وصل إليها؟ بل ما فائدة الفن، والأدب إذا لم يحققا غايتهما التي وجدا لأجلها مادام دور كل مهما ينعكس على شكل فعل، أو قول، أو ممارسة في الحياة العادية للناس؟
وإذا كان الفن رسالة نبيلة غايتها تهذيب النفس وما يتبعه من تهذيب للسلوك، فإن ما أصبح يريده الجمهور الآن لم يعد يسعف هذه الرسالة لتحقق هدفها النبيل.

لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 6-3-2020
الرقم: 17210

آخر الأخبار
جريمة بشعة.. ضحيتها طفلتان في "الشيخ مسكين" بدرعا أنقرة ودمشق تؤكدان وحدة الموقف ومواصلة التنسيق لمواجهة الإرهاب قطر تدعم التعافي النفسي في سوريا بمشروع نوعيّ الرئيس الشرع: تنسيق الجهود الوطنية لتحقيق تنمية شاملة دعم جهود العودة الطوعية للاجئين العائدين تعزيز الشفافية والتشاركية بحلب بين الحلقات الاقتصادية والاجتماعية ملامح جديدة لتنظيم المنشآت التعليمية الخاصة كارثة أمام أعين الجميع.. اختطاف الطفل محمد في اللاذقية الاستفادة من الخبرات العالمية لتطوير المناهج وطرائق التدريس قطع كابلات الاتصالات والكهرباء بين درعا وريف دمشق مبادرة تشاركية لتنظيف مرسى المارينا في طرطوس معدلات القبول للعام.. حرمت مئات طلاب "حوض اليرموك" "تجارة وصناعة درعا" في التجارة الداخلية لبحث التعاون المصارف الاستثمارية.. خطوة نحو تمويل المشروعات الكبرى هل ملأت المرأة المثقفة.. فراغ المكان؟ فوضى الكابلات والأسلاك.. سماء دمشق تحت حصار الإهمال المتجذر !   تحويلات الخارج تحرّك السوق..وتبُقي الاقتصاد في الانتظار تقرير حقوقي يوثق انتهاكات واسعة ترتكبها "قسد" في الرقة ودير الزور الروابط الفلاحية في حمص تطالب بإنقاذ محصول الزيتون من أزماته أردوغان: على "قسد" أن تكمل اندماجها في المؤسسات السورية