ثورة أون لاين – هناء الدويري:
«ما بدنا الأجنبي ولا بدنا الغريب بأرضنا، ولادي استشهدوا لتبقى سورية».. بهذه الكلمات تواسي “أم حاتم” كل المعزين بالشهيد الخامس من أبنائها.. أربعة شهداء على أرض سورية والخامس استشهد في لبنان عام ١٩٨٢.
(علي، كامل، حازم، علاء، وفيصل محمد صالح).. أحلامهم كانت بسيطة بقدر بساطة عيشهم، لكن الحرب على سورية وضعتهم أمام خيار واحد، وهو أن يكونوا رجالاً حقيقيين، عزتهم وعنفوانهم جعلهم لا يقبلون الذل والهوان ولا يقبلون أن يقاسمهم أحد أرضهم وعيشهم، فبسطوا الأرض دماء سالت تحفظ العزة والكرامة، وليبقى للأم الثكلى لقب أمّ الشهداء عزاء لقلبها، وبقايا صور وذكريات وشهادات ميلاد وسبحات ملونة وجزادين جلدية وبعض ملابسهم، والعلم السوري الذي كلّل جثامينهم الطاهرة ساعة الفراق..
أم الشهداء إلى اليوم ترصد أخبار الميدان أملاً بالنصر وعودة آخر العنقود (أحمد) الذي يحمل راية إخوته، راية الفرح بالنصر القريب عربون فخر لتضحيات إخوته وصبر وصمود والدتهم…
“أم الفوز الحرك” من أهالي بلدة تل الدرة في حماة، يُطلق عليها لقب (أم كل شهيد).. أبناؤها الخمسة هم (فوز، نمر، محمد، رحيم، ضيغم) ارتقوا خلال تصديهم للإرهابيين في مختلف جبهات القتال على مساحات الوطن.. الأم التي ربّت أبناءها على أن الوطن كرامة ومن يفرّط به يفرّط بكرامته، لاتزال تربي أحفادها الـ(٢٤) على طريق آبائهم في الإقبال على العدوّ من أمامه، وعلى تلقّي الرصاصة من الأمام لا من الخلف، ليكون الوطن مُصاناً عزيزاً بأبنائه الذين لا يهابون الموت…
الزوجة (أنديرا يوسف) تحمل نعش زوجها الشهيد اللواء برهان رحمون على كتفها، وهو الذي استُشهد في معارك الشرف والبطولة في تحرير ريفي حلب وإدلب.. هذه الزوجة أخبرت العالم كلّه أن من حمل همّ الوطن في قلبه وأعطانا كما الوطن كل الرعاية والاهتمام في حياته، يستحق أن أفخر بحمل نعشه وأستلهم الصمود والعزيمة والصبر من صموده، وتعاهده أن تكون الأمينة الحفيظة لبناته الثلاث المتفوقات في دراستهن، واللاتي بدورهن يقسمن على حمل الرسالة التي تركها القدوة الحسنة عندهن، فتلك الشبلات من ذاك الأسد..
آلاف الفتيات السوريات تواجدن في الخطوط الأمامية في معارك الشرف والتحرير، وكثير منهن قناصات بارعات أرعبن الجماعات الإرهابية المسلحة، حب الوطن دفعهن لوضع أحلامهن في الزواج والأمومة وغيرها في صندوق مقفل لحين دحر الإرهاب إلى غير رجعة، وكان نصيبهن من الشهادة كنصيب إخوانهن من الرجال، فالشهيدة (رنا فايز هاشم) من قرية الجدوعة في ريف السلمية سطرت مجداً لا يُنسى في معارك تحرير مزارع ريحان في الغوطة الشرقية، فكانت من أشرس المقاتلات اللواتي ساهمن في التحرير..
(سعدة الأحمد) بطلة سورية من الرقة تحولت إلى لبوة شرسة في وجه من يحاول التآمر على سورية والمساس بصورة قائد وطنها، اشتبكت في إحدى المظاهرات مع نائب أردني من الإخوان المسلمين، والذي كان في مظاهرة مضادة، اعتدى عليها وعلى زملائها فلم تتردد في ردّ الصاع صاعين، وعلى إثرها تم طردها من الأردن فعادت إلى الرقة مسقط رأسها لتتابع مسيرة النضال، لكن المجموعات الإرهابية المسلحة اعتقتلها وقتلتها.. دمك يا سعدة لن يذهب هدراً فكما بقية المدن السورية ستتحرّر الرقة قريباً بالكامل..
ذكرى المجازر الجماعية تتكرر والتي راح ضحيتها مئات العسكريين السوريين ممن قُتلوا وقُطّعت أوصالهم بوحشية على يد الإرهاب التكفيري الظلامي في جسر الشغور وفي تدمر على المسرح المُخصّص للفكر والثقافة والفن والأدب، لكنهم بفكرهم الوحشي جعلوا منه منصة إعدام لأشبال بعمر الورود..
وللبطولات الفردية من جنودنا البواسل قصص وحكايات يخلّدها التاريخ، فحلب الشهباء لن تنسى الشهيد الأسطورة (باسل قرفول) من طرطوس الذي أنقذ أهالي حلب وأحبط هجوماً ضخماً للمجموعات الإرهابية على حواجز وأسوار حلب، حيث تمكن قرفول بجسده الغضّ من تفجير أربعة مفخخات قبل وصولها إلى هدفها…
الشهادة في سورية عنوان مجد ورسالة يحملها الأبناء عن الأجداد، وقوافل الشهداء لن تتوقف طالما أن هناك عدوّ يتربّص ببلادنا، وطالما أن الشهادة مفهوم حياة عند السوريين، فالأب محمود بدور يرقص في تشييع ابنه الشهيد علاء معلناً أن فرحة الشهادة طريق الفرح إلى النصر..
ولكل من يتوهم أن الاستسلام للوحشية والعدو قدر، تُخبرهم صورة طفل صغير يستظل بنعش أبيه الشهيد أثناء تشييعه تحت المطر، تخبرهم أن ظلّ أبيه يحميه من كل غدر وخذلان العالم حيّاً كان أم ميّتاً… فتحية إكبار وإجلال لكل شهداء الوطن منذ فجر التاريخ إلى اليوم…
قرابين النصر القريب.. الرحمة لأرواحكم..