لا نظن أن شعباً عبر التاريخ اختُبرت مقدرته على الصبر والتحمل ومقارعة الخطوب كما السوريين، الذين توالت عليهم الكثير من المحن، التي حركتها يد الخارج لغايات يعرفها القاصي والداني ..
والنتيجة لا تحتاج إلى شهادة أحد، فالجميع يعرف أن معدن الأصالة والعطاء والقدرة على البذل والفداء قد ازداد نقاءً وصفاءً كما معدن نفيس كلما لفحته نار التجربة زاد بريقه وصلابته..
ليس من باب الشعر ولا كتابة الرواية أبداً.. إنما هو الواقع الذي يشي بذلك بل يعطرنا كل يوم بحكاية وفاء وأصالة السوريين في الداخل أو الخارج..
أمس الأول ضجت الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي بما قام به أحد رجال الشرطة وهو يؤدي عمله إغاثة الملهوف، وهل من لهفة أكثر من أن يكون تلميذ على حافة الانهيار لضياع فرصة امتحانه.. لكن اليد الحانية التي امتدت بلسمت اللهفة وجعلتها تورق أملاً.
شرطي لا يعرف من هذا التلميذ.. يكفي أنه إنسان.. يكفي أنه يحتاج من ينقذه ويمضي به إلى حيث يريد..
والقصص التي تُروى كثيرة وحقيقيّة، تدل على أن الأصالة منبت سوري بامتياز.. سيدة تنسى مبلغاً ضخماً من المال بسيارة أجرة… يعود السائق ويلحق بها ليعيد الأمانة…
رجال شرطة أيضاً في منتصف الليل يتبرعون بالدم لطفل في دمشق..
وفي حلب الأمر نفسه… وقس على ذلك الكثير…
هذا هو السوري الذي قدم قمحه وماءه ودواءه لكل من احتاجه.. لم تكن سنبلة تنمو في حقولنا وتُحصد في بيادرنا إلا وكان فيها ومنها نصيب لأي جائع ومحتاج سواء كان شقيقاً أم صديقاً..
لن نسرد الشواهد فهي موجودة لمن يريد.. السوري حيث هاجر وحلّ، قدّم وأعطى فأحسن العطاء…
اليوم السوري في مهب الحملات التضليلية، التي نُساهم فيها نحن عن قصد أو من دونه.. عندما نُردِّد وننسخ بلا وعي وتفكير ما يلقي به الفضاء الأزرق، وتقدمه مواقع تخصصت بهذه الفتن…
لا نقرأ ما وراء أكمة العفن الأزرق.. بلا تردد ننشره كما النار في الهشيم..
لا نُنكر أننا نعبر مرحلة مخاض ليست هينة، وقد طالت وامتدت وكبرت جراحها، وبعضها كان من ذوي القربى.. لا ننكر أننا قد نبقى بعضاً من الوقت فيها، وتزداد الآلام لكن هذا لا يعني أننا سننكسر أو نتراجع عن نبلنا ورسالتنا… بل يعني أن علينا أن نُفجِّر طاقاتنا الكامنة ونعرف كيف نُبلسم جراحنا وننقد أخطاءنا وهفواتنا بروح المسؤولية العالية.. وحين يحتاج الأمر إلى جراحة لاستئصال ورم كان يقدم نفسه على أنه صحة وعافية فسيكون الأمر..
سورية ولاّدة بكل شيء.. نحتاج اليوم وعينا وثقافتنا وقدرتنا على التجاوز والابتكار وإبداع الحلول، وهذه سمة سوريّة أصيلة صبغت التاريخ بعطرها، فمن اجترح الحرف واللون وعلَّم الكون الزراعة وغيرها ليس بعاجز عن اجتياز مخاضات يعرف أنه سيعبرها وهو أكثر يقيناً وصلابة وقوة وتمسكاً بسوريّته التي تعني بكل الألق أنها روح الإنسانية، إنما بالجراحات نكبر ونسمو ونعرف كيف نغدق النعماء على العالم كله.
معاً على الطريق.. ديب علي حسن