من أكثر العبارات الجاهزة والمستهلكة وغير المنصفة، والتي يتم تداولها في حياتنا الثقافية منذ عقود القول: إن الفن التشكيلي ليس له جمهور، على غرار جمهور الأدب والشعر، رغم أن الواقع يؤكد خلاف ذلك، والدليل كثرة الحضور الذي يرافق افتتاح المعارض مقابل قلة الحضور في معظم الندوات والمحاضرات، وهذه ظاهرة عامة لا تشمل كل الندوات والمحاضرات، فبعضها يتميز بحضور جمهور واسع، وحين يكون المعرض والمحاضرة لشخص واحد يعمل في مجالي الفن والإعلام، غالباً ما يكون الحضور لصالح معرضه بالعشرات، وأحياناً بالمئات، في حين يتقلص حضور محاضرته إلى درجة صادمة، حين نجدهم قد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة.
واللوحة لها جمهور، على صفحات التواصل، أكثر من الدراسات والمقالات المعمقة، وحين ننشر لوحة أكانت كلاسيكية أو واقعية أو تعبيرية أو تجريدية..، سرعان ما تنهمر عليها الإعجابات والتعقيبات في حين قد لا تحوز المقالة على ذلك، وكلما كانت الدراسة معمقة وطويلة انخفض عدد المتفاعلين معها.. والسبب يعود بأن اللوحة لغة بصرية، لا تحتاج أكثر من نظرة سريعة، في حين تحتاج المقالة لوقت وجهد، والمتابع العادي، غير مستعد لقراءة دراسة أو مقالة، ونتساءل في هذه الحالة: أين جمهور النخبة، حين نكتشف أن أكثره لا يتابع إلا ما هو سهل وسريع وحتى سطحي.
ونلاحظ أن اللوحات الحديثة، تتصدر أغلفة معظم الإصدارات الأدبية، الموجهة في الغالب لجمهور اهتماماته أدبية وليست فنية، وبذلك تسقط هنا أيضاً مقولة “إن الجمهور يريد اللوحة الواقعية الواضحة والمفهومة”، ولو كان الأمر غير ذلك لرأينا دور النشر تلتزم بنشر لوحات واقعية على أغلفة إصداراتها.
نخلص إلى القول: إن مقولة الفن التشكيلي ليس له جمهور قد سقطت، حتى إن الكتب الفنية التشكيلية والمجلات المتخصصة، سرعان ما تجد طريقها إلى قرائها، وتنفذ من الأسواق، وهذه الحقيقة تتأكد حين نسأل أصحاب المكتبات، وبائعي الكتب القديمة في بعض الأمكنة والأرصفة الثقافية.
رؤية ـ أديب مخزوم