ثورة أون لاين-فاتن أحمد دعبول:
لا شك هناك أسباب كثيرة هي التي دفعت الإعلامي جمال الجيش لاختيار عنوان محاضرته” الثقافة بين الحاجة والترف” وأهمها إدراكه أن الأزمة التي نعيشها هي في جزء كبير منها أزمة ثقافية، وما نعيشه هو انعكاس لتلك الأزمة الثقافية.
وفي مركز ثقافي” أبو رمانة” كانت محاضرته التي تمحورت حول الواقع الثقافي وتحدياته ودور المثقف في الخروج من عنق الزجاجة والنهوض بالثقافة مستنداً إلى تجارب بعض الدول في واقعنا الراهن إلى جانب العودة إلى التاريخ الحافل بالكثير من النظريات والوقائع وتجارب الآخرين.
نفتقد ملامح الثقافة العربية
يقول الإعلامي جمال الجيش: إن منطقتنا تعيش أزمة كبيرة ظهرت بأبشع صورها وتبدياتها في عملية الانقضاض على الحالة السورية في محاولة تدمير بنية مكونات الشخصية الثقافية السورية باتجاه عملية التفتيت وتشظية المجتمع السوري، وهذا ما تبدّى في استثارة الغرائز البدائية بطريقة شديدة الوحشية، والدعوة للقتل من أجل القتل.
والمؤسف أننا مصنفون من دول العالم الثالث ويبدو أن هذه الوصمة ترافقنا في كل مجالات حياتنا، ودول هذا العالم لم تستطع إنجاز مشروعاتها الحضارية ولم تستكمل مفهومها الواضح للدولة المعاصرة بمميزات خاصة كغيرها من الدول الغربية، فنحن لا نستطيع التحدث عن ملامح ثقافة عربية ولا عن ثقافات وطنية ولا عن ملامح واضحة في الثقافة السورية في هذا الوقت من الزمن، ما يؤكد وجود ذاك التشظي في الشخصية الوطنية، وهذا أمر شديد الخطورة، ناهيك عن تراجع دور الثقافة بشكل أو بآخر في مجتمعنا.
نحتاج تحصينا ثقافياً
ويبين بدوره أن التراجع في مسألة الثقافة كقيمة هي موضوعة عالمية بامتياز في مرحلة ما بعد الحداثة التي ترافقت مع الليبرالية الجديدة ومحاولتها تجريد العالم من قيمه وأخلاقه، كما طرحت أننا مقبلون على عصر التقانة والتكنولوجيا فقط بالتزامن مع انتهاء عصر الأيديولوجيات، وهذا ما يضعنا في سورية أمام استحقاق ثقافي بامتياز ويدعونا لعملية مراجعة عميقة في مكونات ثقافاتنا وخصوصاً أننا في منطقة عبرت فيها الحضارات جميعها.
هذا إلى جانب الحرص على وحدة التراث السوري والهوية السورية وتحقيق التحصين الثقافي والاشتغال على شخصية ذات ملامح متمايزة ثقافياً لا تأخذها رياح ثقافات الآخرين في مهبها.
ولتحقيق التحصين الثقافي لا بد من المراجعة الثقافية التي تنهض بها الحوامل الثقافية” المؤسسات الثقافية والمثقف نفسه” فالعلاقة ما بين المثقف والمؤسسة علاقة شديدة العضوية والتكامل، ويضاف لها كل المؤسسات التي تحمل الملمح الثقافي” المدرسة، الجامعة، الإعلام..” وكل من يكون له علاقة بإنتاج فكري ومعرفي وعلمي وبإنتاج عادات الناس وتقاليدهم، وجميعها ينبغي أن تعمل على تشكيل استراتيجية وطنية تعمل على إعادة الاعتبار للثقافة وبالتالي إعادة البناء عليها.
حاجة وجودية
ويضيف الجيش: إن واقع الثقافة وخصوصاً بعد سنوات الحرب الطاحنة التي أفقدت الكثير إحساسهم بالاعتبار وخصوصاً في المناطق الساخنة باتت الثقافة تشكل حالة في آخر سلم اهتماماتنا، فكيف تكون للثقافة قيمة وقد فقد الإنسان الإحساس بقيمته، فنحن اليوم في زمن تغييب القيمة، تغييب الأخلاق عن كل ميادين الحياة ما ينعكس ضمناً على ميادين الحياة المعيشية العادية البسيطة.
ويجب أن نعترف بأننا لم ننجح بإنتاج هوية جديدة معاصرة تستطيع احتواء كل هذه الهويات المكونة لها، ولكن مع ذلك فالناس لديها الاستعداد للتعامل مع الشأن الثقافي إن وجدنا الأساليب والطرائق التي يمكن أن ننفذ من خلالها إلى اهتماماتهم وإلى ذائقتهم وطبائعهم، فمن واجب الادب والفن مخاطبة ما هو مشترك في الحالات الإنسانية، وهذا ما نلحظه في نتاجات الأدباء التي تقرأ في كل زمان، فالثقافة هي حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، وهي حالة وجودية بامتياز.
ويجب الاعتراف أننا مهددون في ثقافتنا ولكن هذا التهديد لا يأتي من الخارج فقط، بل نساهم بدورنا في إهمال ثقافتنا ربما بسبب إحباطات تعرضنا لها عبر مراحل تاريخية طويلة.
وبدوره يؤكد جمال الجيش أهمية النقد في تقويم النتاج الثقافي، فنحن نحتاج إلى مبضع ناقد حاذق، مايدفعنا من جديد إلى إعادة تعزيز دور النقد في حياتنا وتعزيز دور المثقف لا تغييبه، فالمجتمع السوري مهدد بحالة من التفكك ولا نستطيع استعادة بنيتنا المجتمعية إلا عبر اشتغالات ثقافية تعمل على تحصين ثقافتنا وحمايتها من الاختراقات.
وكان للحديث شجونه الكثيرة التي اتضحت عبر المداخلات القيمة والتي أغنت المحاضرة بكثير من الأفكار التي أهمها العناية بفئة الأطفال والشباب وتكريس دور الثقافة ووضع استراتيجية وطنية ضمن برنامج مدروس بعناية.