ثورة أون لاين – العميد الدكتور أمين محمد حطيط :
بعد ان تولت المملكة العربية السعودية ادارة ملف العدوان على سورية بتكليف أميركي، ظن مسؤولوها بان الفرصة لاحت لهم لتعويض الخسائر التي لحقت بهم حتى ضاق فضاؤهم الاستراتيجي وتقلص دورهم الاقليمي،
ولم يبق لهم من الاوراق الا «مجلس التعاون الخليجي»، ونفوذ ما في «منظمة التعاون الاسلامي»، ولاجل ذلك بات تحقيق خرق معتبر في سورية يقود الى وضع يدهم عليها مترافق مع إحكام السيطرة على لبنان.
وأقنعوا انفسهم بان ذلك ممكن وبات لهم مسألة حياة أو موت، ولهذا حشدوا كل الطاقات الممكنة وفتحوا خزائنهم وقنوات اتصالهم من اجل تحقيق النصر المأمول في سورية لأن به وحده يكون انقاذ الموقع تجنب الكأس الذي شرب منه القطري فسقط، والتركي فاعتزل أو عزل ..
لكن السعودية وبعد اقل من شهرين من توليها ملف إدارة العدوان، تبين لها ان المهمة التي تنطحت لها ليست سهلة أو قابلة للتنفيذ لتحقيق الاهداف كما تتوخى، وبعد اسايع تيقنت أن الميدان السوري لا يستجيب لخطط الغرف السوداء، وأن هناك حقائق تفرض نفسها على الجميع وعليها أن تستخلص العبر منها اذا ارادت أن تتجنب مصير غيرها من الخائبين في سورية، ومن اهم تلك الحقائق الوقائع والمحطات التي عاكست الطموح السعودي كلياً نجد:
1) في الميدان: كانت تعول السعودية، على عمليات ارهابية تقوم بها الجماعات المسلحة فتمكنها من ان تقطع قطاعات اوتقطع محاور اوتحاصر مناطق اساسية تعتبر مؤثرة على وضع الحكومة السورية وسلطتها.
لكن الذي حصل كان خلاف التوقع تماما، حيث كان الرد السوري قاسياً مدمراً للطموح العدواني بدءا في القصير وسقوطاً للارهابيين فيه واسقاط ورقة لبنان من يدهم، ثم كان تطهير معظم اجزاء ريف دمشق، ومنها كانت عودة الى حمص حيث اسقط ما سمي «عاصمة الثورة» ويعني منطقة الخالدية التي حولها الارهابيون الى قلعة تتخطى بأهميتها باب عمرو من اكثر جانب …ولم تبق حلب وريفها اومناطق الجنوب بعيدة عن انجازات الجيش العربي السوري بل كان التقدم مطردا الى الحد الذي جعل اعداء سورية انفسهم يقولون «ان الميزان اختل بشدة لصالح الجيش العربي السوري وان الامر بحاجة الى اعمال نوعية مميزة من اجل اعادة التوازن».
انجازات رائعة تحققت في الميدان السوري، ووصلت الى الحد الذي جعل الرئيس بشار الأسد واستكمالاً لزياراته الميدانية السابقة، يقوم بزارة التحدي الاكبر ويتجه الى داريا ليتفقد في عيد الجيش الوحدات العاملة فيها ويشد على ايدي العسكريين قائلاً «لو لم نكن واثقين بالنصر الاكيد لما استمررنا بالمواجهة ..» كلمات كانت كافية لتقنع من لديه عقل وفهم بأن هزيمة العدوان على سورية أمر حتمي ولا مفر منه.
2) في خريطة تمفصل الارهابيين وعلاقاتهم البينية. كانت السعودية وبعد ان اصبحت المرجعية الاحادية المباشرة لما يسمى «الائتلاف الوطني السوري» – الهيئة التي عولت عليها جبهة العدوان لتكون البديل للسلطة الشرعية في سورية – بعد هذا عملت السعودية على توحيد البندقية الاجرامية واعادة تنظيم المسلحين وتوحيد قيادتهم وقرارهم وتنسيق عملياتهم من اجل تحقيق الانجاز الميداني المطلوب تحت عنوان اعادة التوازن كما ذكرنا، لكن وفي سياق التنفيذ حصل ما هوالعكس تماما، إذ لم يتوقف الفشل عند العجز عن توحيد العصابات الارهابية المسلحة العاملة تحت 140 عنواناً كما تقول المخابرات الاطلسية، بل إن حربا بدأت بينهم ومعارك شرسة دارت بين ما يسمى جبهة النصرة وعصابات ما يسمى جيش سوري حر ثم كانت المواجهة مع اللجان الشعبية الكردية لتفاقم مأساة تلك العصابات، ثم انشقاقات داخل هذه العصابات ولعن متبادل بين خلاياها الى الحد الذي قالت فيها تقارير المخابرات الغربية بان 40% من الجهد العسكري الميداني لتلك العصابات بات موجها للاحتراب الداخلي والاقتتال البيني» وقد باتت عمليات التآكل للمعارضة مرتفعة الى الحد الذي يمنع تصور قدرتها على تحقيق انجازات فعلية في ظل تلك الصراعات.
3) في المواقف من تسليح ما يسمى «المعارضة السورية».
(طبعا ومع التأكيد على التنافر بين تسمية معارضة سورية وطنية وجماعات مسلحة عدوانية، ومع التأكيد أن من يحمل السلاح ضد الدولة في سورية ليس له علاقة بسورية وشعبها ومستقبلها وانما هومن الجماعات الارهابية فحسب ).
لقد ركن السعودي قبل ان يتولى الملف السوري من اميركا ، ركن الى التنافس الاوروبي الاميركي على تسليح الارهابيين والوعود التي قطعت بتسليح ما يسمى المعارضة اوالجماعات المسلحة المتشكلة نظريا بقيادة عقيد سوري فار من الخدمة، وتصورت السعودية ان السماء الاطلسية ستهطل سلاحا نوعيا سيفرض التوازن في القوى وينعكس توازنا في الميدان ما يقود الى الانتصار في المفاوضات حول سورية في جنيف 2 الذي يكثر الحديث عنه.
لكن الذي حصل ايضا هوعكس ما توقعته السعودية حيث تراجع الاوروبيون وبعدهم الاميركيون عما وعدوا به، واستمر ما يقدمونه من تسليح ضمن السقف الذي تحركوا تحته منذ بدء الازمة ولم يحصل التطوير الموعود ولم تنتج البيئة التي ستزلزل الارض كما خدع الارهابيون انفسهم.
وكانت النتيجة احباطاً لدى السعودية ومن تقود من الجماعات المسلحة، احباط لم تجد السعودية علاجا له الا بوصفة سريعة تنفذ عبر اسرائيل حيث ابتاعت منها اسلحة وذخائر قديمة بمبلغ 50 مليون دولار في صفقة اولى ومع وعد بصفقة اخرى بـ 100 مليون دولار اذا تبين ان الصفقة الاولى استثمرت بالوجهة الصحيحة التي تخدم عنوان «اقامة االتوزان»..
4) في استعمال ورقة لبنان للضغط من اجل تراجع حزب الله وتاليا ايران عن الاهتمام بالمعركة الدفاعية في سورية.
لقد ظنت السعودية ان التضييق على حزب الله ومحاصرته داخليا عبر اخراجه من الحكومة، وخارجيا عبر ادراجه على لائحة الارهاب الاوروبية معطوفا على الموقف العدائي منه الذي اتخذه مجلس التعاون الخليجي، ان هذا الحصار والتعقب والتضييق سيحمل حزب الله على الانكفاء .. وايضا وايضا العكس هوالذي حصل، وهاهو الموقع السعودي يترنح في لبنان بعد ان علم الجميع ان لا احد يملك قوة تستطيع ان تعزل حزب الله اوتخرجه من الحكومة اوترهبه اوتملي عليه قراراتها، وان الرشوة التي دفعت لهذا اوذاك من السياسيين اللبنانيين في السلطة اوخارجها لن تحقق المراد، اما عن لائحة الارهاب الاوروبي والتي كلفت السعودية 2 مليار دولار ووعوداً باستثمارات وصفقات تجارية تصل الى 10 مليار دولار تدفع لدول أوروبية مؤثرة اومترددة، ان هذه اللائحة وما ادرج فيها مما سمي «جناح عسكري لحزب الله» لم تؤثر على سياسة الحزب وخياراته وقراراته لا بل انه بات اكثر تمسكا بها واكثر تشددا في الاعلان عنها، ولم يكن الظهور الشخصي للسيد حسن نصرالله في يوم القدس صفعة لاسرائيل وحدها بل كان إعصاراً اذهل المعتدين اوالذين راودهم الظن بان نفطهم ومالهم يلوي الذراع واذا بالسيد حسن نصر الله وبـ 40 دقيقة من الظهور الشخصي العلني والكلام العالي السقف يلوي اعناق حملت رؤوسا عششت فيها الاوهام …
بعد هذه الحقائق ذات الدلالات الاكيدة الاتجاه كان على السعودية ان تستخلص العبر سريعا وتسارع الى البحث عن وسيلة تحول دون الانهيار، وتقطع الطريق على الاعصار الذي لا يمكن ان تتفلت منه إن استمرت في خططها ضد سورية، وان عليها ان تعلم ان المليارات التي دفعتها الى مصر – بعد اسقاط الاخوان – لن تجعلها صاحبة هيمنة اوسلطة عليها فمصر التي عرف شعبها كيف يستعمل الميدان من اجل تحقيق الاستقلال لن يبيع ارادته بمال النفط ولن يرهن نفسه لملوك الخليج ومشايخه…وعلى هذا يبدوان السعودية باتت اليوم تعاني من رهاب الفشل والانكسار، الامر الذي قاد «امير مخابراتها» الى روسيا بعد فشله في أوروبا، عله يتلمس فيها حبل نجاة من سقوط لا ريب فيه، ذهب بندر الى روسيا بعد ان تحقق بان روسيا باتت لاعبا دوليا رئيسيا لا يمكن تجاوزه، ولن نستغرب اونستبعد ايضا ومن اجل الهدف ذاته حصول تحرش دبلوماسي سعودي بايران اوتلقفا سعوديا للسعي الايراني الدائم لتطبيع العلاقات مع الدول العربية،خاصة مع بدء ولاية الرئيس روحاني.
بالامس قاد السعودية خوفها فذهبت الى روسيا، وغدا لن تتردد كما نعتقد في لقاء اليد الايرانية الممدودة، ولكن هل تعلم السعودية ان شروط بناء علاقة مع هاتين الدولتين تبدأ بوقف العدوان على سورية والقبول الصادق بالحل السلمي والامتناع عن دعم الارهابيين ومساندتهم في سفك الدم السوري ؟
نعتقد ان السعودية قد تعلم ذلك ويبقى ان تملك الجرأة والشجاعة في القرار والاعتراف بالهزيمة بعد الاعتراف بالخطيئة، اعتراف قد يقودها الى الخروج الآمن من مأزق دخلت فيه فتسبب بما تسبب به من مآس في سورية ولكنه سيرتد عليها بما لا تكون سعيدة به عند حلول الاجل. وعندها يكتمل مثلث المطوقين بفشلهم من قطر الى تركيا.