على نحو يشي بالكثير من الغطرسة، والاستهتار بالإجماع الدولي، الذي قلّما يحدث في قضية من القضايا، أفرغ الرئيس الأميركي كل ما في جعبته من الثأرية بحق الشعب الإيراني بتطبيق آلية “سناب باك” ضده دون أي مبرر قانوني، وهي آلية “تسمح لأي طرف من الأطراف الستة الموقعة على الاتفاق النووي بالعودة إلى الوضع السابق مع إيران في حال تنصلت من التزاماتها الدولية، وهذا ما لم يحدث باعتراف بقية الدول الموقعة، فإيران نفذت كل تعهداتها في الاتفاق، بينما انسحبت الإدارة الأميركية منه تلبية لرغبات الكيان الصهيوني، وبعض الأنظمة الخليجية التي استبدلت العداء مع الكيان بالعداء لإيران إذعانا لرغبات واشنطن.
التصعيد الترامبي المستجد في الملف النووي الإيراني يستبطن نوايا أميركية خبيثة بالعودة إلى تسخين الأوضاع الأمنية في المنطقة، على نحو يرضي الكيان الصهيوني الذي عارض الاتفاق وحرض على إيران طوال فترة المفاوضات، ويبقي أنظمة الخليج تحت رحمة صراع افتراضي مع إيران يسمح لواشنطن بتعزيز قواعدها العسكرية على الضفة الثانية من الخليج، ويؤمن لها عقد صفقات تسليح قياسية مع هذه الأنظمة بذريعة إيرانوفوبيا، الذريعة التي حفرتها الإدارات الأميركية المتعاقبة عميقاً في العقل الخليجي، لضمان خضوعه الدائم لهيمنتها وتسليمه بالتبعية لها من دون شروط.
خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي ومن ثم إعادتها الأمور إلى سابق عهدها من التوتر والتصعيد مع إيران يحمّل الدول الموقعة على الاتفاق مسؤولية الحفاظ عليه وتثبيته، وإفراغ العقوبات الأميركية من مضامينها، بحيث تكون عديمة التأثير على معيشة وحياة الشعب الإيراني، وإلا فإن إيران مضطرة لمواجهة المخططات الأميركية المعادية لها دفاعاً عن مصالحها ومصالح شعبها بالطريقة التي تراها مناسبة، ولو أدى ذلك إلى مواجهة عسكرية، وهذا أمر لا يمكن استبعاده بالنظر للعداء المستحكم بين الطرفين وارتفاع منسوب التحرش الأميركي بإيران والذي بلغ ذروته باغتيال الجنرال قاسم سليماني مطلع العام الجاري، وكذلك في ضوء التغلغل الاستخباراتي الصهيوني في دول الخليج بعد مهزلة التطبيع.
إن مراهنة ترامب على استعداء إيران قد يؤمن له إرضاء رغبات اليمين الصهيوني صاحب التأثير الأقوى في الانتخابات الرئاسية الأميركية، من أجل الفوز بولاية ثانية، لكن رهانه محفوف بمخاطر كثيرة، إذ تملك إيران الكثير من أوراق القوة التي يمكن أن تحرج ترامب وتضعف موقفه، بينما لا يملك الأخير سوى القليل من الوقت لكسب رهانه، وهو وقت قصير لا يسمح له بإلحاق الهزيمة بلاعب شطرنج بارع، تشهد له ميادين السياسية بالحنكة والصبر ودبلوماسية النفس الطويل والطبخ على نار هادئة كما هو حال الدبلوماسية الإيرانية..!
البقعة الساخنة -عبد الحليم سعود: