“المستقبل الذي نصبو إليه والأمم المتحدة التي نحتاجها.. إعادة تأكيد التزامنا الجماعي بالتعددية ومواجهة كوفيد 19 من خلال عمل فعال متعدد الأطراف”، تحت هذا العنوان افتتحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أعمال الأسبوع رفيع المستوى الذي يلقي خلاله زعماء الدول وكبار مسؤوليها كلماتهم، وهذا العنوان بطبيعة الحال يعكس تطلعات الشعوب نحو مستقبل آمن تنتهي فيه النزاعات والحروب، وأحادية القطب، وتتوحد فيه الجهود الدولية لمواجهة التحديات التي تعاني منها البشرية على أكثر من صعيد، وهذا يطرح سؤالاً مهماً، هل بإمكان دول العالم تجاوز الخلافات والانقسامات الحاصلة في ظل نزعة الهيمنة الأميركية المتفاقمة التي تهدد مستقبل العالم وأمنه واستقراره؟.
من حيث المبدأ يمكن ذلك، بحال تعاضدت شعوب العالم ضد سياسة الغطرسة والبلطجة الأميركية، وتخلت الكثير من الدول عن نزعاتها العدوانية وأطماعها الاستعمارية، ولكن المشكلة المستعصية هي انعدام الإرادة السياسية لتلك الدول السائرة في الفلك الأميركي، فهي ترى مصالحها في مسايرة مشاريع الهيمنة الأميركية وركوب موجتها، بعدما تخلت عن كل المعايير الإنسانية والأخلاقية التي من المفترض أن تحكم منظومة العمل الدولية، ولذلك فإن هذه الدول تشكل من خلال تبعيتها العمياء دعامة قوية تتكئ عليها الولايات المتحدة لمد نفوذها، وإحكام سيطرتها على قرارات وخيارات الشعوب ومستقبلها.
صون السلم والأمن الدوليين، واحترام القوانين الدولية والمواثيق الأممية، هي في صلب عمل الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها المتعددة، ومجلس الأمن تقع على عاتقه المسؤولية الأساسية في هذا الشأن، ولكن الذي يحدث على أرض الواقع أن هذه الهيئات الأممية كلها مختطفة من قبل الولايات المتحدة والدول السائرة في ركب سياساتها التوسعية، وفي مقدمتها الدول الأوروبية صاحبة الإرث الاستعماري البغيض، فبدل أن تكون هذه المنظمات منصة للحوار والتفاهم بين الدول لإيجاد حلول للمشكلات الدولية المستعصية، تحولت بفعل سياسة الهيمنة الأميركية إلى منصة لاستهداف الدول الرافضة للنهج الأميركي والغربي، وإلى مكان لاستصدار قرارات عدائية مسيسة، تشرعن الحروب العدوانية، وكل ما ينتج عنها من جرائم بحق الإنسانية، ومن أعمال نهب ممنهجة لثروات الشعوب المستهدفة، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، نراها في سورية والعراق وفلسطين واليمن، والعديد من الدول الرازحة تحت سيف العقوبات الجائرة، كإيران وفنزويلا وكوبا وغيرها الكثي، فأين هي الأمم المتحدة من القانون الدولي الذي يجرم استخدام القوة في العلاقات الدولية، ويؤكد على ضرورة احترام سيادة الدول؟.
البشرية تواجه اليوم الكثير من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، وأضيف إليها جائحة كورونا التي تحتاج لجهود جماعية استثنائية لمواجهتها والتصدي لها، وكل هذه التحديات ناتجة عن سياسة الفوضى الهدامة التي تنشرها الولايات المتحدة في كل بقاع الأرض، من خلال دعمها المستمر للإرهاب، وحروبها العدوانية المدمرة، وإثارتها للنزاعات الدولية، وتدخلاتها السافرة في شؤون الدول الأخرى، وانتهاكها لكل المواثيق والقرارات الدولية، وهذا يقتضي من الدول السائرة في الركب الأميركي، إعادة حساباتها والتخلي عن تبعيتها وارتهانها، والانضمام للدول المحبة للسلام، والساعية لإيجاد عالم متعدد الأقطاب تسوده الحرية والعدالة والاحترام، وبغير ذلك فإن أحلام الشعوب في مستقبل آمن ستبقى رهينة الأطماع الأميركية والغربية.
البقعة الساخنة – ناصر منذر