سورية جغرافيا الصراع الدولي..

من الخطأ الجسيم قراءة الأزمة في سورية في إطارها المحلي أو الإقليمي حتى، فلا بد من وضعها في إطار المشهد الدولي في بنيته العامة لا بل في ظل إرهاصات أولى لنظام دولي جديد ربما كانت الأزمة في سورية الحاضنة والمولدة له وهنا لا بد لنا من استعراض مقطع تاريخي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية والاصطفاف الدولي حول معسكرين اثنين تشكلا على حوامل أيديولوجية، وكانت ساحة الصراع بينهما ابتداء القارة الأوربية بشطريها الغربي والشرقي وانتهى كما نعلم جميعاً بسقوط المعسكر الاشتراكي وبروز الولايات المتحدة الأميركية قطباً وحيداً في العالم مع نهج تنظيري يبشر بسيادة الفكر الغربي وانتصار الليبرالية على ما عداها من نظريات .

لقد اعتقد الغرب الرأسمالي ولاسيما غرب الأطلسي أن زعامة العالم قد انعقدت له وإلى الأبد فسعى الأميركيون حثيثاً لتحقيق زعامة فردية وفريدة للعالم على قاعدة القطب الواحد وقطع الطريق على أي محاولة لمنافسة الولايات المتحدة الأميركية على ذلك، ولكن ومع انكشاف المشروع ” الكولونيالي ” الأميركي ومحاولته مد ذراعه العسكرية في أكثر من اتجاه ودخوله في نزاعات وصراعات عديدة بهدف الهيمنة واستثمار فائض القوة فجاءت حروب أميركا والأطلسي في أفغانستان والعراق وليبيا، وما شكله ذلك من عبء سياسي واقتصادي رافقه فقدان لمصداقية تلك القوى على الصعيد الدولي مع كراهية غير مسبوقة للكثير من شعوبه على خلفية تلك الحروب المجنونة .

لقد كان المتغير الأساسي لعالم ما بعد الحرب الباردة هو انتقال ساحة الصراع الدولي من أوروبا بشطريها إلى منطقة “الشرق الأوسط” التي كانت تحتل المرتبة الثانية في إطار سلم الأولويات الدولية، وهذا حاصل بحكم طبيعة الصراع ومضامينه بين الدول الكبرى حيث تقدم الاقتصادي على الأيديولوجي عندها تبرز المنطقة بثرواتها الباطنية من نفط وغاز وموقعها الجيوسياسي والجيوثقافي لتكون ساحة المنافسة الدولية، وحيث ينهض العملاق الصيني بقوته الاقتصادية والعسكرية الناهضة وروسيا التي استعادت عافيتها الاقتصادية محتفظة بتفوقها العسكري الاستراتيجي ورصيدها الدولي الطيب الذي خلفته الإمبراطورية السوفيتية لدى شعوب العالم الثالث، ليحتلا موقعهما الطبيعي في الخارطة الجديدة انطلاقاً من قوتهما العسكرية والاقتصادية، في هذه اللحظة التاريخية المفصلية والحاسمة في مسار الأحداث تأتي الأزمة في سورية لتكون ساحة التماس بين تلك القوى والغطاء لصراع مشاريع إقليمية ودولية، يجزم الجميع على أن حاصلها السياسي تشكيل خرائط سياسية جديدة للمنطقة والعالم وهو ما يفسر كل هذه الحالة غير المسبوقة من كباش دولي وإقليمي تسلق على أكتاف الأزمة.

إن الصراع مع وعلى سورية لم يعد يوصف تلك الأزمة أو يقاربها على نحو موضوعي إلا في حدود التداخل بين الوطني والإقليمي والدولي فالمساحات المشتركة كثيرة وممتدة تتجاوز الجغرافي إلى الاقتصادي والثقافي والأيديولوجي، وصولاً للبنية الديموغرافية حتى وهنا تكمن طبيعة الخطر الذي يتهدد المنطقة والعالم حال تفجر الأزمة وتحولها إلى صراع عسكري مسلح، وهو ما حذر منه غيرسياسي وباحث إستراتيجي رصين وفي أكثر من بلد سواء في الشرق أو الغرب وعلى مختلف المذاهب السياسية والأيديولوجية.

لقد جاء مطابقاً للحقيقة تكييف ما يجري في سورية على أنه أزمة دولية وليست قضية مطلبية تتعلق بالإصلاح والتغيير في بنية الدولة واشتراطاتها الوطنية المتعلقة بمفهوم الديمقراطية لسبب يبدو في غاية البساطة، وهو هذه الحالة من التداخل بل التناقض بين المواقف الدولية المتعلقة بها وتعدد المذاهب السياسية في مقاربتها ومحاولات إيجاد مخارج واجتراح حلول لها وهو ما وصل إلى الآن إلى حدود انسداد الأفق عند البعض أو الدخول في نفق مظلم عند البعض الآخر .

إن قراءة في المشهد الدولي الذي أعقب نهاية الحرب الباردة تشير بشكل قاطع إلى عدم حصول أي اصطفاف دولي وانقسام عالمي في أي ازمة دولية كما حاصل الآن، وهذا يشي بكثير من المعاني والدلالات الهامة يأتي في مقدمتها أنه لا مجال لحصول تحول دراماتيكي في مسارالأزمة يقلب المعادلات القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي لجهة انتصار فريق على آخر ما يخلط في الأوراق ويشكل تحولاً بنيوياً في موازين القوى القائم على التوازن في المصالح، مع قبول للتوازن في الخسائر في أكثر من مكان وثاني تلك الحقائق هو أن الأزمة هي في بعد من أبعادها خلاصة صراعات ونزاعات واصطفافات إقليمية ودولية بحكم موقع سورية الجيوسياسي، حيث تلامس الجغرافية السياسية السورية النقاط الساخنة في كل من لبنان وفلسطين والعراق ما يجعل المنطقة تعيش على جدار صفيح ساخن أو فوهة بارود.

والحال تبدو القوى العالمية والإقليمية على تناقضاتها ومشاربها السياسية أمام حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها وهي القبول بمنطق الحل المتوازن الذي يحفظ مصالح الجميع وفي مقدمتهم الشعب السوري بكل مكوناته، وتسويات بين الكبار قد لا ترضي بعض اللاعبين الإقليميين وربما كان عزاؤهم الوحيد أن النار السورية نأت بنفسها عن ملامسة حقولهم القابلة للاشتعال .

إضاءات- د.خلف علي المفتاح

آخر الأخبار
المجتمع الأهلي يجهز بئر مياه كويا بدرعا  تحديات بالجملة أمام عودة أكثر من 2,3 مليون سوري عادوا لديارهم  ارتفاع الدولار وحرائق الساحل تنعكس على الأسعار في الأسواق  ريادة الأعمال في قلب التغيير.. النساء دعامة المجتمع خفايا  ثوب الانفصال!   حملة تنظيف لشوارع الصنمين بعد 15 يوماً على تخصيص رقم خاص للشكاوى.. مواطنون لـ"الثورة": عزز الثقة بعمل مديريات محافظة دمشق بسبب الضياع المائي .. شح في مياه الشرب بدرعا معرض دمشق الدولي .. منصة شاملة تجمع التجارة بالصناعة والثقافة عودة بئر "دير بعلبة" للعمل شهر على اختطاف حمزة العمارين.. قلق متصاعد ومطالبات بالكشف عن مصيره الفرق تواصل السيطرة على آخر بؤر حرائق كسب بريف اللاذقية دراسة إعفاء الشاحنات ومركبات النقل من الرسوم  وتفعيل مركز انطلاق السيارات السورية مع لبنان السويداء بين شعارات "حق تقرير المصير" وخطر الارتماء في الحضن الإسرائيلي "معاً نبني سوريتنا" .. لقاء حواري يعيد رسم ملامح التكاتف المجتمعي في سوريا إحياء خط كركوك–بانياس.. خطوة استراتيجية نحو تكامل طاقي إقليمي  موجة حرائق جديدة تجتاح الغاب في عين الحمام جورين ناعور جورين  كنيسة "السيسنية" في ريف صافيتا.. أقدم الكنائس السورية على نهر الأبرش  مساهمات المجتمع المحلي.. دور مساند  في إطفاء لهيب الحرائق    معمل "الفيجة" أمام تحول جذري..  محمد الليكو لـ"الثورة": إنتاج 13 ألف عبوة في الساعة.. وحسومات تنافس...