بعيدا عن نظريات المؤامرة وتحليلاتها، من الصعب النظر لكارثة الحرائق التي ألمت بثلاث محافظات سورية في الأيام الماضية بعيداً عن الحرب الهمجية الإرهابية المتعددة الأشكال التي يتعرض لها بلدنا منذ نحو عشر سنوات، فروائح السياسة العفنة ورسائل الحقد والانتقام تفوح مع دخان الحرائق وألسنة اللهب، بحيث تزكم الأنوف وتعمي الأبصار وتريق ماء وجه الضمير الإنساني المتجمد، وتفتح المجال على آلاف الأسئلة حول “الإنسانية” الكاذبة التي يتغنى بها الغرب وهو يراقب بعين الشامت ما حل بإحدى رئات المتوسط دون أن يحرك ساكناً أو يتلفظ بكلمة حق أو تضامن واحدة.
لا يختلف متابعان حول البيئة التي استهدفتها حرائق الحقد والانتقام، فهي الصخرة التي تحطمت عليها كل مشاريع ومغامرات العدوان، بعد أن قدمت ـ كسائر المدن والبلدات والقرى السورية ـ خيرة شبابها على مذبح الوطن في سبيل قهر غول الإرهاب والتطرف والبربرية والتوحش الذي يستهدف البشرية جمعاء، وحققت ما عجزت عنه قوى كبرى تدعي محاربة الإرهاب.
حرائق اللاذقية وطرطوس وحمص وقبلها حرائق محافظة حماة التي استهدفت أرزاق الناس ومعيشتهم وحياتهم، لا يمكن فصلها بأي حال من الأحوال عن الحرائق التي طالت حقول القمح في سهول الحسكة ودير الزور وحلب، وبساتين السويداء ودرعا والقنيطرة، حيث مازال مشعلو الحرائق يرتدون الزي الرسمي “لأبي لهب” ويهددون بإشعال المزيد، فمن يستطيع حشد مرتزقته وإرهابييه ونقلهم إلى أي مكان يريد، من سورية إلى ليبيا وصولاً إلى “كراباخ” لا بد أن يحتفظ بالكثير منهم لإشعال الحرائق مرة تلو المرة في الأرض التي دحرت مشروعه وقضت على حلمه العثماني البربري، ومن يحرق أشجار الزيتون في فلسطين لن يجد حرجا في نقل حرائقه إلى كل الإقليم، كي ينقذ نفسه الأمارة بالعدوان من حرائق قادمة.
وما دام الحديث عن الحرائق، فلا بد لنيرون العصر الأميركي من حصة الضبع، وهو القابض على المرتبة الأولى في بازار الحرائق السياسية والاقتصادية والعسكرية والوبائية حول العالم، بشهية مفتوحة على الغطرسة والتجبر والإجرام، وبسجل قياسي من الجرائم المتنوعة بحق السوريين، عدوان واحتلال وحصار وتخريب وحرق المحاصيل وسرقة ثروات… وبعد كل ذلك نراه (يتدثر) بعباءة الإنسانية الكاذبة..يا لها من مفارقة مخزية..؟!
لمن يهمه الأمر، تقول المكتشفات الأثرية التي تعود لآلاف السنوات أن الإنسان السوري ابتكر الحضارة والأبجدية ونقلهما إلى العالم، وابتكر فنون الزراعة والمنجل والمحراث وجعل من الساحل السوري منارة في شرق المتوسط، ومن كان ميراثه بهذا السمو والرفعة فلن يغلبه الحاقدون مشعلو الحرائق، فمن عادة طائر الفينيق أن ينهض من وسط الرماد المرة تلو المرة…!
البقعة الساخنة- عبد الحليم سعود