رغم كل الأصوات التي رحبت بوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في ليبيا غير أن الرئيس التركي أردوغان كان من الطبيعي أن يكون له رأي آخر، وأكثر من ذلك هو لم يقتصر فقط على عدم الترحيب بهذا الاتفاق وإنما وصفه بأنه ضعيف المصداقية.
وإذا كان الغريب في الأمر أن يتحدث من يكذب وينافق ويخدع عن المصداقية إلا أن عدم ترحيبه بأي اتفاق لوقف نزيف الدم في أي مكان يبدو مبرراً لأردوغان ومن يشبهه. فمن الطبيعي أن يعرب عن تشاؤمه إزاء اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا أو غيرها لأن مثل هذه الاتفاقات ستؤدي إلى إضعاف التأثير التركي في المعادلة على الساحات التي دفع إليها أردوغان مرتزقته، وبالتالي من الطبيعي أن يرتبك ويشعر بالقلق حول مصير الاتفاقيات الأمنية التي أبرمتها تركيا مع بعض الأطراف وتتيح لها بالتدخل العسكري ولاسيما أن اتفاق ليبيا ينص على تعليق الاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها أطراف الصراع في ليبيا.
ولطالما كان السؤال عن دوافع النظام التركي للتدخل في ليبيا التي تبعد آلاف الكيلومترات عن الأراضي التركية وعن الأطماع التركيّة في ليبيا التي تنطلق منها السياسات التركيّة في المنطقة للوصول إلى مشروع أردوغان الاستعماري الذي يعمل على تحقيقه وهو العثمانية الجديدة.
ولعل كل من يتابع ويراقب وقائع هذه السياسة الاستعمارية لأردوغان بات يعرف تفاصيلها وبدت أوراق اللعبة الأردوغانية مكشوفة للجميع، فقد تنبهت مصر إلى أبعد من البعيد في هذه السياسة، وقرأت مبكراً وفي العلن بعض الأوراق التي تستهدفها وقالت بأن النظام التركي يريد التدخل في ليبيا كي يكون قريباً من مصر من خلال التواجد العسكري على حدودها الغربية، وبالتالي يستطيع أن يستهدف مصر على امتداد العين من خلال الأعمال الإرهابية.
والأمر لا يقتصر على مصر وليبيا وسورية والعراق، فالنظام التركي يدفع بمرتزقته اليوم إلى الحدود مع اليونان أيضاً بعد أن ارتفع منسوب التوتر بينهما. لذلك كله لم يعد النظام التركي قادراً على التخلي عن مرتزقته لأنهم أصبحوا قوة قتالية متحركة لخدمة مصالحه في كل مكان ولنشر الفوضى وتسهيل عملية الغزو التركي وتحقيق الأوهام الاستعمارية العثمانية.
إزاء ذلك كله يتجدد السؤال: هل آن الأوان أن يستفيد أردوغان وكل من يشبهه من الدروس والعبر؟ أم يستمر في الحديث عن المصداقية بينما يمارس الكذب والنفاق والخداع؟.
الكنز – يونس خلف